مكاشفة مطلوبة.. «خارطة طريق» إماراتية لحل أزمة السودان

بين العجز الدولي وتفاقم المأساة السودانية، برزت دولة الإمارات بصوتٍ واضح ومبادرة جريئة، مقدّمة خارطة طريق شاملة تهدف إلى إنهاء الأزمة ووقف الانهيار الإنساني ونشر السلام في البلاد.
وطرحت دولة الإمارات رؤيتها خلال «مؤتمر لندن حول السودان»، مؤكدة أنّ الحل لا يمكن أن يأتي عبر العسكر أو التواطؤ مع الجرائم، بل من خلال عملية سياسية يقودها المدنيون، مدعومة بتحرّك دولي حازم ومساءلة جدّية.
خارطة الطريق الإماراتية، طرحتها على المجتمع الدولي لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، خلال مشاركتها في “مؤتمر لندن حول السودان”، والذي استضافته المملكة المتحدة بالتعاون مع ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي. جاءت لتفند الأكاذيب، وتعيد تصويب البوصلة نحو سلام مستدام وعدالة غائبة.
وتضمنت خارطة رؤى ومحاور عدة تدحض بشكل جلي الأكاذيب والاتهامات الزائفة التي ترددها حكومة الجيش السوداني بشأن دعم الإمارات أحد أطراف النزاع، مع اهتمامها بالتداعيات السياسية والإنسانية للأزمة، مع الحرص على حشد الجهود الدولية للعمل على إنهاء الأزمة، والدعوة لمساءلة ومحاسبة أطراف الأزمة عما ارتكبوه من جرائم.
شملت تلك الخارطة مكاشفة مهمة لعدد من الأمور لإظهار حقيقة المشكلة وإضاءة الطريق نحو الحل المستدام لها، من أبرز تلك الأمور:
- القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تمثلان الشعب السوداني، ولا يمكن لأي منهما تحقيق الاستقرار في السودان.
- ضرورة تشكيل حكومة بقيادة مدنية مستقلة بعيدة عن سيطرة السلطة العسكرية.
- ممارسة السيادة بشكل استبدادي لا يمكن أن تبرر حدوث المجاعة، ولا يجب أن تستخدم لحماية الأشخاص الذين يعرقلون وصول المساعدات الإنسانية أو يستهدفون موظفي الإغاثة الإنسانية والمدنيين.
- تحقيق السلام الدائم يتطلب إيجاد حلول على المستوى الإقليمي على نطاق أوسع.
- ضعف التنسيق الدولي الموحد لدعم عملية سياسية فاعلة لا يمكن تبريره، ويجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات جماعية وحاسمة في هذا الصدد.
- يجب ضمان ألا يصبح السودان ملاذًا آمنًا للتطرف والإرهاب والتهديدات للأمن البحري الدولي.
- دعوة لإنشاء آلية لمراقبة دخول جميع الأسلحة إلى السودان، الأمر الذي من شأنه وضع حد لأي ادعاءات أو أكاذيب بشأن دعم أحد أطراف الأزمة بالأسلحة.
تم عرض تلك الرؤى خلال الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية وممثلون رفيعو المستوى من كندا وتشاد ومصر وإثيوبيا وفرنسا وألمانيا وكينيا والمملكة العربية السعودية والنرويج وقطر وجنوب السودان وسويسرا وتركيا وأوغندا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.
إلى جانب ممثلين بارزين عن كل من الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الأمم المتحدة.
الجانب الإنساني
وفي إطار الدور الإنساني الإماراتي الرائد في تلك الأزمة، حرصت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، في كلمتها خلال المؤتمر، على إلقاء الضوء على تداعيات الصراع المدمر والمعاناة المستمرة للشعب السوداني.
وفصّلت في كلمتها نماذج من الفظائع الإنسانية المرتكبة على نطاق واسع في جرس إنذار للمجتمع الدولي لسرعة التحرك، من أبرز تلك الفظائع:
- العنف الجنسي الممنهج
- استخدام الأسلحة الكيميائية
- عرقلة المساعدات الإنسانية واستخدامها كسلاح ضد المدنيين
- وعن موقف الإمارات من تلك الجرائم، قالت نسيبة:
- تدين دولة الإمارات هذه الأعمال بشدة.
- تدعو دولة الإمارات إلى محاسبة المسؤولين عن جميع انتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك الهجمات الأخيرة على المدنيين في دارفور، والاعتداءات الوحشية على مخيمي زمزم وأبو شوك قرب مدينة الفاشر.
منع عرقلة المساعدات
وشددت دولة الإمارات في كلمتها على ضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بـ”إنشاء آليات جديدة قادرة على إحداث تأثير حقيقي فعال”، وتشمل هذه الخطة إرساء تدابير جديدة لمواجهة التهديدات الأمنية ووضع حد لعرقلة المساعدات الإنسانية.
ودعت الأمم المتحدة إلى اتباع نهج أكثر تماسكًا في مواجهة العرقلة المنهجية واستخدام المساعدات الغذائية كسلاح ضد المدنيين، مؤكدة على عدد من الأمور المهمة في هذا الصدد، وهي:
- ممارسة السيادة بشكل استبدادي لا يمكن أن تبرر حدوث المجاعة، ولا يجب أن تستخدم لحماية الأشخاص الذين يعرقلون وصول المساعدات الإنسانية أو يستهدفون موظفي الإغاثة الإنسانية والمدنيين.
- يستحق المدنيون السودانيون الحماية الكاملة والوصول إلى المساعدات الإنسانية.
- يجب مساءلة جميع المسؤولين الذين يعيقون ذلك، كما ينبغي أن نبذل المزيد من الجهد في هذا الصدد.
دحض الأكاذيب
وفي مبادرة تدحض أي أكاذيب أو ادعاءات بشأن دعم الإمارات أحد أطراف النزاع، دعت نسيبة إلى “إنشاء آلية لمراقبة دخول جميع الأسلحة إلى السودان”.
وحثت على “اتخاذ إجراءات فاعلة وعمل جماعي لتشكيل مستقبل السودان على أسس تحقيق السلام والوحدة وإعادة الأمل”.
حلول سياسية مستدامة
وشددت الإمارات في بيانها على أن طريق تحقيق السلام الدائم في السودان، سيكون عبر اتباع عملية سياسية فعالة بهدف واضح، وهو الانتقال إلى عملية سياسية.
وللوصول إلى حلول سياسية مستدامة، كان لزامًا اللجوء إلى الصراحة الشديدة والشفافية المطلقة والمكاشفة لعدد من الأمور التي لا بد للجميع أن يعترف بها ويتعامل معها، وهي:
- يجب تشكيل حكومة بقيادة مدنية مستقلة بعيدة عن سيطرة السلطة العسكرية.
- القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تمثلان الشعب السوداني، ولا يمكن لأي منهما تحقيق الاستقرار في السودان.
- الانتقال إلى عملية سياسية وتشكيل حكومة مستقلة بقيادة مدنية يعد النموذج الوحيد القادر على إحداث تغيير حقيقي في السودان.
البعد الإقليمي للصراع.. شبح الإرهاب
أيضًا ضمن المكاشفة المطلوبة، سلطت لانا نسيبة الضوء على البعد الإقليمي للصراع، وقالت في هذا الصدد: “يجب أن نُدرك من خلال النهج الذي نتبعه بأن السودان لا يعيش بمعزل عن غيره من الدول، وأن تحقيق السلام الدائم يتطلب إيجاد حلول على المستوى الإقليمي على نطاق أوسع.
حيث يشمل هذا ضمان ألا يصبح السودان ملاذًا آمنًا للتطرف والإرهاب والتهديدات للأمن البحري الدولي مجددًا، حيث إن منع هذه المجموعات من ترسيخ جذورها في السودان يُعد جزءًا لا يتجزأ من أي جهد جاد لدعم مستقبل السودان”.
حلول واقتراحات
لمواجهة تلك الأزمة وتداعياتها، أكدت الإمارات على أهمية ما يلي:
- بذل الجهود الجماعية لمكافحة كل أشكال التعصب والإرهاب في السودان، بما في ذلك مكافحة التطرف وخطاب الكراهية والتمييز.
- أهمية تحقيق المشاركة الكاملة للمرأة وتمكينها، ودعم دمجها الكامل والمتساوي والفعال في العملية السياسية.
- وأشارت نسيبة في هذا الصدد إلى أن “المرأة ساهمت بشكل فاعل في الانتقال إلى الحكم المدني في عام 2018 وتواصل عملها في الخطوط الأمامية في غرف الطوارئ والاستجابة، في المناطق التي لا يمكن للجهات الفاعلة الدولية الوصول إليها في معظم الأحيان”.
- يجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات جماعية وحاسمة لدعم عملية سياسية فاعلة، حيث تتطلب هذه اللحظة الحاسمة قيادة وإرادة دولية قوية ومستدامة.
حراك متوصل
ويعد هذا رابع مؤتمر إنساني من أجل السودان تشارك فيه الإمارات خلال الربع الأول من العام الجاري، الأمر الذي يتوج حراكها الدبلوماسي والسياسي والإنساني لحل الأزمة، حيث سبق أن شاركت في المؤتمرات التالية:
- الاجتماع الثالث لكبار المسؤولين الإنسانيين التابع للاتحاد الأوروبي حول السودان، الذي استضافته بروكسل في مارس/آذار 2025، وأكدت الإمارات خلاله التزامها الراسخ بمواصلة تقديم المساعدات الإنسانية ودعم الجهود الدبلوماسية لتخفيف حدة النزاع المستمر.
- المشاركة في 20 فبراير/شباط الماضي بالإطلاق المشترك بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لخطة الاحتياجات الإنسانية والاستجابة للسودان لعام 2025، والخطة الإقليمية للاستجابة للاجئين في السودان.
- نظّمت دولة الإمارات مع إثيوبيا والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية «إيغاد» بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في 14 فبراير/شباط الماضي، «المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان».
وأكدت خلاله الإمارات موقفها الثابت في الدعوة إلى وقف إطلاق النار بشكل فوري، ومعالجة الأزمة الإنسانية من خلال توفير المساعدات الإغاثية العاجلة، بما يلبي تطلعات الشعب السوداني الشقيق نحو التنمية والازدهار.
وأعلنت الإمارات خلال المؤتمر تقديم 200 مليون دولار إضافية من المساعدات الإنسانية.
رسائل ودلالات
مشاركة الإمارات في مؤتمر لندن، بالتزامن مع ذكرى مرور عامين على اندلاع الأزمة في السودان، تحمل رسائل ودلالات مهمة لأهل السودان والعالم أجمع مفادها:
- تأكيد دولة الإمارات على التزامها الثابت بدعم السودان وأهله على مختلف الأصعدة الإنسانية والدبلوماسية والسياسية.
- حرص الإمارات على دعم كل جهد دولي لحل الأزمة السودانية، ولا سيما من خلال تعاونها الوثيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، الأمر الذي يبرز دبلوماسيتها النشطة ويعزز دورها كلاعب رئيسي في المحافل الدولية.
- ثقة المجتمع الدولي في الإمارات وجهودها لدعم الأمن والاستقرار الدوليين، الأمر الذي يعزز مكانتها كشريك موثوق في دعم المجتمعات المتأزمة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
- الإمارات تقود جهودًا دولية لإنقاذ السودانيين من المجاعة والحرب، رغم إساءات حكومة البرهان المتكررة ومحاولة تعطيلها عن القيام بهذا الدور.
- الشعب السوداني يستحق مستقبلًا يقوم على السلم والكرامة، ويستحق حكومة يقودها المدنيون تضع مصالحه وأولوياته في المقام الأول، والإمارات ستواصل دعمه بكل جهد متاح لتعزيز فرص السلام.
- القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تمثلان الشعب السوداني، ولا يمكن لأي منهما تحقيق الاستقرار في السودان.
سجل إنساني مضيء
وعلى مدار عامين من عمر الأزمة، شكّلت المبادرات والمساعدات الإماراتية التي بلغت 600.4 مليون دولار طوق نجاة لملايين المتضررين، حيث بلغ عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات ما يزيد على مليوني شخص، وسط جهود متواصلة لضمان وصول المساعدات إلى 30 مليون سوداني يواجهون خطر المجاعة، بينهم أطفال ونساء.
وبمساعداتها خلال الأزمة، يرتفع إجمالي مساعدات الإمارات للسودان على مدار السنوات الـ10 الماضية إلى أكثر من 3.5 مليار دولار.
فمنذ بداية الأزمة، سيرت دولة الإمارات جسرًا جويًا وبحريًا نقل قرابة 13 ألفًا و168 طنًا من المواد الغذائية والطبية والإغاثية عبر 162 طائرة وعدد من سفن المساعدات.
أيضًا في إطار الدعم الإنساني والإغاثي والطبي المقدم من دولة الإمارات للاجئين السودانيين المتأثرين بالأوضاع الصعبة التي تسبب بها الصراع في البلاد، أنشأت الإمارات 3 مستشفيات لتوفير الخدمات الطبية للاجئين في دول الجوار، تنفيذًا لتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهما مستشفيان في أمدجراس وأبشي بتشاد، قاما بعلاج 90,889 حالة.
كما افتتحت الإمارات 7 مارس/آذار الماضي مستشفى ثالثًا في منطقة مادول في ولاية بحر الغزال في جنوب السودان، فضلًا عن تقديم الدعم إلى 127 منشأة صحية في 14 ولاية.
aXA6IDUuMTgyLjIwOS4xMTUg جزيرة ام اند امز