كابيلا في غوما.. حقبة جديدة من الصراعات بالكونغو الديمقراطية؟

تتجه الأنظار مجددًا نحو رئيس الكونغو السابق جوزيف كابيلا، بعد الإعلان عن وجوده في غوما، عاصمة إقليم شمال كيفو، الخاضع لسيطرة «إم 23».
هذه العودة، بعد عامين من المنفى قضاهما في جنوب أفريقيا، تأتي في لحظة سياسية وأمنية بالغة الحساسية، بحسب تقرير صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.
كما أنها ليست مجرد زيارة عابرة لرئيس سابق، بل خطوة مدروسة تحمل في طياتها دلالات استراتيجية، وتعيد خلط الأوراق في شرق البلاد، وسط اتهامات له بدعم التمرد واستثمار التوترات لتوسيع نفوذه السياسي.
كابيلا، الذي تولى السلطة عام 2001 عقب اغتيال والده، أثار جدلًا واسعًا حين رفض مغادرة منصبه عند انتهاء ولايته الدستورية في 2016، ما أدخل البلاد في احتجاجات عنيفة، قبل أن يغادر الكرسي في 2018 بعد انتخابات شابها الكثير من التوتر.
«الرئيس» يعود إلى قلب الأزمة
إيمانويل رامازاني شاداري، الأمين الدائم لحزب الشعب من أجل إعادة البناء والديمقراطية (PPRD)، وهو الحزب الذي أسسه كابيلا، أكد عودة الرئيس السابق إلى غوما، قائلاً: «نستطيع الآن أن نعلن لكم أن الزعيم وصل إلى غوما».
هذا اللقب يعكس الشعبية التاريخية التي ما يزال يتمتع بها كابيلا في بعض الدوائر، رغم تآكلها في أخرى.
العودة لم تكن مجرد خطوة شخصية، بل ترافقت مع هجوم إعلامي شنّه كابيلا على مؤسسات الدولة، واتهامه السلطات بتسييس القضاء، بعد قرار مجلس الشيوخ برفع الحصانة البرلمانية عنه، تمهيدًا لملاحقته بتهم تتعلق بدعم الحركات المسلحة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
في عمق التمرد.. موقع ودلالة
وجود كابيلا في منطقة تسيطر عليها حركة «إم 23»، التي تُعد التهديد الأبرز لحكومة كينشاسا، يثير الكثير من التساؤلات.
البعض يرى أنه يسعى لتولي دور سياسي أو عسكري في دعم الحركة. وآخرون يرون أنه يطمح للعودة إلى المشهد من بوابة الوساطة، أو ربما يسعى للضغط السياسي في ظل الانقسامات الحادة داخل البلاد.
ورغم أن كابيلا لم يعلّق رسميًا على دوافع عودته، إلا أن مصادر من الأمم المتحدة أشارت إلى أن وجوده ليس مفاجئًا، بل ربما كان مُعدًّا له ضمن تحالفات إقليمية، خصوصًا مع رواندا، المتهمة بدعم «إم 23».
أزمة تمتد.. وتوازن هش
الحركة المسلحة نفسها تمرّ بمنعطف حساس؛ إذ تواجه صعوبات ميدانية بعد تمددها الخاطف إلى غوما وبوكافو، وتلجأ، بحسب تقارير، إلى التجنيد القسري، وسط مؤشرات على احتمال انسحاب جزئي للدعم الرواندي، بفعل الضغوط الدولية على كيغالي.
في المقابل، يواجه الرئيس فيليكس تشيسيكيدي تحديًا سياسيًا حقيقيًا بعد الإخفاقات العسكرية، ما أضعف من موقفه أمام خصومه السياسيين، ومنح كابيلا فرصة لشن هجوم مضاد، مدّعيًا أن البلاد تسير نحو «ديكتاتورية»، ومؤكدًا استعداده «للعب دوره» في المرحلة المقبلة.
وساطة محتملة وفرص محفوفة بالمخاطر
الكنيسة الكاثوليكية، من خلال مؤتمر الأساقفة الوطني (CENCO)، طرحت مؤخرًا وساطة محتملة لحل الأزمة، قد تكون فرصة لكابيلا لإعادة التموضع، لا كلاعب متمرد بل كوسيط. لكن هذه المبادرة لا تخلو من المخاطر، نظرًا للعلاقة الوثيقة التي تربطه برواندا، ما يضعف فرص قبوله كوسيط محايد.
دبلوماسي غربي أشار إلى أن كابيلا ربما يستخف بحجم الاستياء الشعبي في كينشاسا من رواندا، وأن تحركاته في غوما قد ترتد عليه، خاصة مع تراجع شعبيته في الأوساط الحضرية والليبرالية داخل البلاد.
لكن في المقابل، يرى آخرون أن كابيلا لا يزال رقمًا صعبًا في المعادلة الكونغولية، ولا سيما في الشرق حيث يحتفظ بعلاقات قوية وقدرة على التأثير، سواء سياسيًا أو عسكريًا.
ما بعد العودة.. سيناريوهات مفتوحة
بحسب «لوفيغارو»، من المتوقع أن تتضح ملامح نوايا كابيلا خلال الأيام المقبلة. هل يعود كزعيم للمقاومة، أم كورقة ضغط سياسية، أم وسيط في أزمة تبدو عصيّة على الحل؟.
المؤشرات الحالية ترجح أن الكونغو الديمقراطية قد تكون مقبلة على مرحلة جديدة من التجاذبات، مع احتمالية تصعيد إضافي في شرقها المضطرب، ما لم تُحسن إدارة التوازن بين السلطة، التمرد، والطموحات السياسية القديمة-الجديدة للرئيس السابق.
وكان متمردو إم 23 في الكونغو الديمقراطية، التي تصفهم بأنهم «أعداء الجمهورية» أعلنوا السيطرة على «غوما»، أكبر مدن شرق البلاد والغنية بالمعادن، في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد تقدم خاطف أجبر آلاف الأشخاص على الفرار وأثار مخاوف من اندلاع حرب إقليمية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز