تقنية

الثورة الصامتة.. الذكاء الاصطناعي يعيد صياغة التعليم العالي


مرحبا بكم في عصر التعليم العالي المدعوم بالذكاء الاصطناعي، تُسابق كليات إدارة الأعمال الزمن لمواكبة الذكاء الاصطناعي – ليس فقط بتدريسه، بل بتحويله إلى “دماغ رقمي” يعيد تشكيل تجربة التعلم برمتها.

نحن على أعتاب حقبة جديدة من التعليم العالي، حيث يفرض الذكاء الاصطناعي نفسه كمحرك رئيسي للتغيير. فمع التوقعات بأن نحو 70% من المهارات المطلوبة في سوق العمل ستتغير بحلول عام 2030، لا يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيكتفي بإحداث تحولات في بيئات العمل، بل سيمتد تأثيره ليعيد هيكلة نظم التعليم ومناهجه.

وفي عالم تسوده الوتيرة السريعة للتطورات التقنية، يواجه العاملون تحديًا متزايدًا يتمثل في خطر التهميش إن لم يواكبوا التحولات الجارية، ليغدو الذكاء الاصطناعي طوق نجاة حيويًّا للنجاح المهني.

وسط هذا السياق المتغير، بدأت كليات إدارة الأعمال حول العالم في استيعاب هذه المتغيرات داخل أنظمتها التعليمية. وبحسب صحيفة فايننشال تايمز، تسعى هذه المؤسسات إلى دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية بشكل متسارع استجابة للطلب المتزايد من الطلاب والأسواق على حد سواء.

تحوّل عالمي في كليات الأعمال

وفقًا لتقرير صادر عن مجلس قبول الدراسات العليا في الإدارة (GMAC)، فإن نحو 80% من كليات إدارة الأعمال حول العالم شرعت بالفعل في دمج الذكاء الاصطناعي ضمن برامجها التعليمية بحلول الربع الأخير من عام 2024. ويغطي هذا التقرير أكثر من 300 كلية في 40 دولة، مستعرضًا أبرز الاتجاهات المؤثرة في تعليم الدراسات العليا.

من أبرز ما كشفه التقرير أن حوالي 40% من الطلاب المحتملين يعتبرون الذكاء الاصطناعي عنصرًا محوريًا في تصورهم للمنهج التعليمي الأمثل. هذا التوجه يتقاطع مع نتائج استطلاع آخر صادر عن المجلس نفسه، أشار إلى أن مسؤولي التوظيف باتوا يصنفون القدرة على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن أهم ثلاث مهارات يُتوقع أن تكتسب أهمية مضاعفة خلال السنوات الخمس المقبلة.

كيف تستخدم كليات إدارة الأعمال الذكاء الاصطناعي؟

يأخذ دمج الذكاء الاصطناعي في برامج كليات الأعمال أشكالًا متعددة. الأكثر شيوعًا، وفقًا للتقرير، هو التركيز على دوره في المجتمع وأخلاقيات العمل (بنسبة 44%)، تليها برامج توظف الذكاء الاصطناعي في دعم اتخاذ القرار داخل بيئة الأعمال (43%)، ثم المحاكاة العملية عبر سيناريوهات واقعية (42%).

رغم ذلك، فإن أحد أبرز الجوانب التي لا تزال تعاني من ضعف في الدمج هو تدريب الطلاب على كتابة الأوامر وتعليمهم كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في المهام اليومية، إذ لم تتجاوز هذه الفئة نسبة 23% من البرامج، على الرغم من أهميتها المتزايدة في بيئات العمل الحديثة.


التعليم لا يقتصر على الأدوات

تشير نتائج الاستطلاع إلى أن الهدف من دمج الذكاء الاصطناعي لا يتمثل في مجرد تدريب الطلاب على استخدام أدواته، بل يتجاوز ذلك نحو بناء فهم عميق لأبعاده الأخلاقية والاجتماعية والتجارية. ووفقًا لأكاديميين تحدثت إليهم فايننشال تايمز، تسعى الكليات إلى إعداد قادة قادرين على التفكير الاستراتيجي، يمتلكون المعرفة التقنية إلى جانب البصيرة الإنسانية، وليس فقط من يجيدون التعامل مع التقنيات الحديثة.

تمكين الأجيال القادمة

أجمع خبراء التعليم الذين استطلعتهم الصحيفة على أن دور التعليم أصبح محوريًا في تمكين الأفراد من التعاون بذكاء مع الآلات، لا مجرد الاعتماد عليها. هذه الرؤية تنسجم مع ما أورده تقرير “مستقبل الوظائف 2025” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي توقع أن يُنجز ثلث المهام عالميًا عبر التكنولوجيا وحدها، بينما يُنجز الثلث الآخر عبر شراكة مباشرة بين البشر والآلات بحلول عام 2030.

من التعليم التنفيذي إلى التفكير الاستراتيجي

تتجه كليات إدارة الأعمال إلى تصميم برامج تنفيذية مخصصة تساعد القادة والمديرين على فهم الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي، إلى جانب إدراك مخاطره وحدوده. في كلية ESSEC القريبة من باريس، يوضح هاريس كيرياكو أن الهدف لا يتمثل في تخريج مبرمجين، بل قادة استراتيجيين قادرين على اتخاذ قرارات مسؤولة، من خلال فهم آليات عمل “الصندوق الأسود” للذكاء الاصطناعي، دون تسليم زمام القرار للخوارزميات بشكل أعمى.

أما في كلية ترينيتي للأعمال في دبلن، فيوضح مايكل فلين، مدير التعليم التنفيذي، أن الهدف هو الجمع بين المهارات الرقمية ومنظور يركز على الإنسان، ما يسهم في تحقيق تغيير ثقافي يُمكّن المؤسسات من دمج الذكاء الاصطناعي بنجاح.

ويقدم داميان والش، مدير تطوير البرامج في شركة ON Semiconductor، مثالًا عمليًا لذلك، إذ أكمل مؤخرًا برنامجًا تنفيذيًا بعنوان “قيادة الأداء باستخدام الذكاء الاصطناعي والتحليلات”، وبيّن أن البرنامج ساعده على فهم كيفية اختيار مشروعات تطوير المنتجات الجديدة، وتحليل البيانات لتدريب الخوارزميات بشكل فعّال.

نماذج تعليمية مبتكرة

في كلية إنسياد للأعمال في فونتينبلو، أوضح فانيش بورانام أن الذكاء الاصطناعي لا يُستخدم فقط كموضوع تدريسي، بل يُدمج في عملية التعليم نفسها. ويؤكد أن الغاية هي تعليم القادة التفكير “بعقول متعددة”، من خلال بناء أطر أخلاقية وفهم التنظيمات القانونية، مثل لوائح الاتحاد الأوروبي، واستخدام أدوات مثل VSTRAT وQinect لمحاكاة عمليات اتخاذ القرار المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

وفي كلية إمبريال للأعمال بلندن، يلتزم جميع أعضاء هيئة التدريس بإتمام برنامج “الذكاء الاصطناعي من أجل ابتكار الأعمال”، ويُدرّس برنامج آخر بعنوان “القيادة المسؤولة في عالم معقد”، يهدف إلى ترسيخ القيم الأخلاقية في ظل التحديات التي تفرضها تقنيات الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي والفن والتعليم

تُعد كلية ESCP للأعمال مثالًا آخر على الابتكار، حيث تعاونت مع شركة OpenAI لدمج أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في العملية التعليمية. وتوضح آن لور أوجيرد، مديرة مشروع الذكاء الاصطناعي في الكلية، أن هذه الأدوات تُستخدم لتقديم ملاحظات مخصصة للطلاب، وإنشاء محتوى تعليمي، وتشجيع التفكير التأملي والإنتاجية.

أما زميلها سيلفان بيورو، فيطرح برنامجًا تنفيذيًا يجمع بين الذكاء الاصطناعي والفن، بهدف كسر الأنماط التقليدية في التفكير وتحفيز الإبداع. ويحذر من أن الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع الإبداع، مشددًا على أهمية تجاوز النماذج النمطية لتوليد أفكار جديدة.

تجارب من مؤسسات رائدة

وفي كلية IESE في برشلونة، طوّر البروفيسور كاندارب ميهتا منصة تفاوض مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تساعد المشاركين على تحسين مهارات الذكاء العاطفي باستخدام صور رمزية ديناميكية.

بينما تطور كلية Audencia الفرنسية برنامج “AI + Sales”، حيث يُنشئ المشاركون وكلاء ذكاء اصطناعي مخصصين لأدوار مهنية محددة. وتوضح أولغا باتراك، رئيسة البرامج التنفيذية المفتوحة، أن هذا البرنامج جزء من مبادرة أشمل تُعرف بـ “Métiers + AI”، تركز على دمج الذكاء الاصطناعي في مهن متنوعة، مثل المبيعات والاتصالات.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى