الهوية الإسلامية والتقنية الحديثة.. معادلة سعودية ناجحة في تطوير الحرم المكي

تشهد التوسعات المتلاحقة للحرم المكي الشريف تطورًا غير مسبوق في تاريخه العريق حيث تعمل المملكة العربية السعودية على تطوير البنية التحتية والمرافق لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين.
وفي قلب مكة المكرمة يقف الحرم المكي الشريف شامخًا كصرح إسلامي عظيم، كانت رحلته مع التوسعة حكاية ممتدة عبر القرون، والفصل الأكثر إبهارًا كتبته أيادي البناء السعودية في العصر الحديث، وتحظى هذه التوسعات باهتمام خاص من قادة المملكة، حيث تندرج ضمن رؤية 2030 الطموحة لاستيعاب 30 مليون معتمر سنويًا.
وتشمل مشاريع التطوير الحديثة تحسين البنية التحتية وزيادة الطاقة الاستيعابية مع الحفاظ على الهوية المعمارية الإسلامية الأصيلة، كما تراعي هذه المشاريع أعلى معايير الراحة والأمان لضيوف الرحمن، حيث يتم توفير أنظمة تبريد متطورة وشبكات مواصلات حديثة ومرافق خدمية متكاملة.
وتتميز هذه المشاريع بتصميماتها الفريدة التي تعكس التراث الإسلامي، مما يجعل تجربة الزوار أكثر روحانية وعمقًا. وتساهم التقنيات الحديثة في تسهيل الحركة داخل الحرم، مما يتيح للمعتمرين والحجاج أداء شعائرهم بكل يسر وسهولة.
إن توسعة الحرم ليست مجرد إضافة مادية، بل هي تجسيد للرعاية والاهتمام الذي توليه المملكة للحرمين الشريفين، وتعكس التزامها بخدمة الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم،في هذا التقرير سنستعرض أبرز التطورات التي شهدها الحرم المكي الشريف.
أبرز مراحل ومشاريع التطوير الحديثة للحرم المكي.
تعتبر التوسعات السعودية للحرمين الشريفين من أضخم المشاريع الإنشائية في التاريخ، وقد مرت بعدة مراحل رئيسية:
التوسعة السعودية الأولى :(عهد الملك عبدالعزيز والملك سعود)
شملت هذه التوسعية إضافة مساحات كبيرة للصلاة، وتجديد المسجد الحرام، وتوسعة المطاف والسعي، بالإضافة إلى إنشاء دورات مياه ومرافق خدمية.
وعندما دخل الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- مكة المكرمة، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الحرم المكي الشريف، حيث أصبح خامس حاكم في التاريخ يجمع بين التوسعة والعمارة للحرمين الشريفين بعد الخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، والخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، والخليفة العباسي محمد المهدي.
سبقت التوسعة الكبرى عدة إصلاحات مهمة بدأت عام 1343هـ/1924م بتوحيد المصلين خلف إمام واحد، تلتها أعمال ترميمية واسعة عام 1344هـ/1925م، وفي عام 1346هـ/1927م، أصدر الملك عبدالعزيز توجيهاته بإنشاء أول مصنع متخصص لكسوة الكعبة المشرفة، إلى جانب تبليط المسعى بالحجر الصوان وإزالة الدكاكين التي كانت تعيق حركة الطائفين حول الكعبة.
وأمر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – ببدء أعمال التوسعة الأولى للمسجد الحرام، لتصبح أولى المحطات الكبرى في تاريخ تطوير الحرم المكي خلال العهد السعودي، شملت هذه التوسعة عدة إنجازات رئيسية:
- زيادة عدد أبواب المسجد إلى 64 بابًا، منها باب الملك عبدالعزيز جنوبًا، وباب العمرة غربًا، وباب السلام في الجهة الجنوبية الشرقية.
- بناء سبع مآذن جديدة بارتفاع 89 مترًا لكل منها، موزعة على أبواب الصفا والملك عبدالعزيز والعمرة والسلام.
- توسعة المساحة الإجمالية للحرم إلى 160,168 مترًا مربعًا، تسمح باستيعاب 300 ألف مصل في الأوقات العادية و400 ألف في أوقات الذروة.
الإصلاحات المرافقة للتوسعة الأولى:
- توحيد المصلين خلف إمام واحد عام 1343هـ/1924م.
- إنارة المسجد بالكامل بالكهرباء عام 1347هـ/1928م وزيادة عدد المصابيح إلى 1000 مصباح.
- إنشاء أول مصنع لكسوة الكعبة المشرفة عام 1346هـ/1927م.
- تبليط المسعى بالحجر الصوان وإزالة الدكاكين المزاحمة له.
- تركيب ماكينة لتوليد الطاقة الكهربائية عام 1349هـ/1930م.
في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز:
- رفع مباني المسجد إلى ثلاثة طوابق.
- بناء المسعى على طابقين.
- توسعة منطقة المطاف.
- إنشاء مبنى خاص لسقيا زمزم مع تركيب مضخات وصنابير.
- ترميم شامل للكعبة المشرفة شمل تغيير السقفين العلوي والسفلي ومعالجة تشققات الجدران.
التوسعة السعودية الثانية للحرم المكي (عهد فهد بن عبدالعزيز آل سعود)
أمر الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بتنفيذ التوسعة السعودية الثانية للمسجد الحرام، والتي تمثل مرحلة متقدمة في مسيرة تطوير الحرم المكي الشريف، وبدأت أعمال التوسعة عام 1409هـ/1988م في المنطقة الواقعة بين بابي الملك عبدالعزيز والعمرة، المعروفة سابقًا بالسوق الصغير، شملت هذه التوسعة عدة إنجازات رئيسية:
- باب الملك فهد: يعد من أكبر أبواب المسجد الحرام.
- 18 مدخلاً جديدًا لتنظيم تدفق المصلين.
- 56 سلمًا كهربائيًا موزعًا على مجمعين رئيسيين.
- مئذنتان بارتفاع 96 مترًا
- 3 قباب مكسوة بالسيراميك الفاخر
- 1,453 عمودًا مكسوًا بالرخام، منها 1,120 عمودًا مزودًا بنظام تكييف أرضي
تتضمن مراحل بناء التوسعة السعودية الثانية للمسجد الحرام عدة عناصر رئيسية، بدأ العمل بالقبو السفلي، الذي يمتد على مساحة 18 ألف م² وبارتفاع 4.30 متر، مجهزًا بأنظمة مكافحة الحرائق، وشبكات المياه، وأنظمة التهوية والتبريد، بالإضافة إلى شبكات الإنارة الكهربائية.
أما الدور الأرضي، فقد قُسم إلى 15 وحدة معمارية متجانسة، بمساحة إجمالية تبلغ 20 ألف م² وبارتفاع 9.80 متر، حيث سُقِفت جميع الوحدات باستثناء المنطقة المحيطة بالقباب الرئيسية، والدور العلوي جاء مطابقًا لمواصفات الدور الأرضي، مع وجود ثلاث قباب رئيسية متجاورة، وأرضيات من الرخام العاكس لأشعة الشمس، ومداخل واسعة تربط بالتوسعة الأولى.
تُعتبر ساحات الصلاة من أبرز الإضافات، حيث تمتد على مساحة 88 ألف م²، مزودة بأنظمة إنارة متطورة وفرش خاص، بالإضافة إلى رخام بارد مقاوم للحرارة، كما شملت التحسينات توسعة منطقة الصفا والمروة، وإنشاء جسر الراقوبة المباشر للسطح، وتجديد غطاء مقام إبراهيم عليه السلام.
وبالنسبة للطاقة الاستيعابية، فقد بلغت مساحة التوسعة 87 ألف م² (بجميع طوابقها)، مما رفع المساحة الإجمالية للحرم إلى 366,168 م² بعد أن كانت 160,168 م²، هذا يعني أن المسجد قادر على استيعاب 820 ألف مصل في الأوقات العادية، وأزيد من مليون مصل في أوقات الذروة.
تتميز التوسعة بتنوع المواد المستخدمة في البناء، مثل الذهب والكريستال في الثريات، والجرانيت الملون والحجر الصناعي، والسيراميك الفاخر والجص، والألمنيوم الأصفر، وخشب الأرز المغربي والساج، كما تزينت بالزخارف الإسلامية على القباب والأروقة، والأسقف والجدران، والأبواب والنوافذ، والأقواس والمشربيات، وتيجان الأعمدة.
شملت أعمال الترميم المصاحبة أيضًا ترميم الكعبة المشرفة، حيث تضمنت إصلاح الفواصل الخارجية، وسد الفجوات بين الأحجار، ومعالجة التقشرات السطحية، وتغيير بعض عناصر الأسقف والجدران، وتجديد الأرضيات، تم تنفيذ هذه الأعمال وفق أحدث المعايير الهندسية مع الحفاظ على الطابع الإسلامي الأصيل للمسجد الحرام.
التوسعة الثالثة للمسجد الحرام (عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود)
تُعد هذه التوسعة الأحدث والأكبر من حيث المساحة والقدرة الاستيعابية في تاريخ المسجد الحرام، أُطلق المشروع في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عام 1432هـ الموافق 2011م، ثم تابع العمل فيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حيث تم تدشين المراحل الأولى منه عام 1436هـ الموافق 2015م، وما زالت أعمال التطوير والتوسعة مستمرة حتى اليوم لمواكبة الاحتياجات المتزايدة.
وشهد المسجد الحرام في مكة المكرمة توسعةً كبرى ضمن مشروع التوسعة السعودية الثالثة، والتي شملت إضافاتٍ معماريةً وهندسيةً متطورةً لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المصلين والمعتمرين، وأُضيفت في هذه التوسعة أربع مناراتٍ جديدة، موزعةً على أجزاء المشروع، كما تضمنت ستة طوابق مخصصة للصلاة، إلى جانب مرافق متعددة، منها:
- المبنى الرئيس في الجهة الشمالية للحرم المكي.
- توسعة المسعى والمطاف والساحات الخارجية.
- إنشاء مباني الخدمات والمصاطب.
- مستشفى خاص بالحرم.
- أنفاق المشاة ومحطات النقل.
- محطات كهرباء وخزانات مياه.
- أنظمة تصريف السيول.
وصُممت ثلاثة أبواب رئيسية للتوسعة، يزن كل مصراعٍ منها 18 طنًا، وتُفتح وتُغلق آليًّا عبر أجهزة تحكم عن بُعد، وتقع هذه الأبواب في الساحات الشمالية مقابل مستشفى الحرم، بالقرب من أنفاق المشاة التي تربط بين الحرم ومنطقتي الحجون وجرول.
كما خُصصت خمسة أنفاقٍ لخدمة المصلين، أربعةٌ منها لنقل الزوار، بينما يُستخدم الخامس للطوارئ والمسارات الأمنية، بإجمالي أطوالٍ تصل إلى 5300 متر، بالإضافة إلى ذلك، شمل المشروع:
- مجمع الخدمات المركزية (محطات كهرباء، مولدات احتياطية، أنظمة تبريد، خزانات مياه، مضخات إطفاء).
- الطريق الدائري الأول بطول 4600 متر، مع جسورٍ وأنفاقٍ لتنظيم الحركة المرورية.
- ولإنجاز التوسعة، تمت إزالة 5,882 عقارًا في أحياء الشامية والفلق والشبيكة والقرارة، مع تعويض مالكيها، واستُخدم في البناء:
- أكثر من 13,100 مليون قطعة صخرية.
- 3 ملايين متر مكعب من الخرسانة.
- 800 ألف طن من الحديد المسلح.
- مليون و210 آلاف متر مربع من الرخام.
- 37,800 قطعة من الحجر الصناعي.
وتضم التوسعة 188 مدخلًا موزعًا على جوانب المبنى، مع أكثر من 12,400 دورة مياه، و8,650 ميضأة، و1,020 نجفة، و3,600 وحدة إضاءة، و2,500 صندوق إطفاء حريق.
وفيما يتعلق بالأنظمة التكنولوجية، تم دمج أنظمة رقمية متطورة، منها:
- كاميرات وحساسات ذكية لرصد أعداد المصلين وتجنب الازدحام.
- 950 كاميرا مراقبة، بعضها مزود بتقنية الرؤية الليلية.
- أنظمة تحكم آلي للأبواب والمرافق الأمنية والميكانيكية.
وفي هذه التوسعية زادت سعة المسجد الحرام إلى مليون و850 ألف مصل، مع تفاصيل المساحات كالتالي:
- إجمالي مسطحات البناء: مليون و470 ألف متر مربع.
- مبنى التوسعة (320 ألف م²) يستوعب 300 ألف مصلّا.
- الساحات (175 ألف م²) تتسع لـ 280 ألف مصلّا.
- الجسور (45 ألف م²) تستوعب 50 ألف مصلّا.
- مباني الخدمات (550 ألف م²) تتسع لـ310 آلاف مصلّا.
- المصاطب الشرقية (263 ألف م²) تستوعب 150 ألف مصلّا.
- كما توسع المسعى ليصل إلى 57 ألف متر مربع، مع زيادة طاقته الاستيعابية من 44 ألف معتمرٍ في الساعة إلى 118 ألفًا.
هذه التوسعة تُعد إحدى أضخم المشاريع في تاريخ الحرم المكي، لضمان راحة الحجاج والمعتمرين وتحسين تجربتهم الدينية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز