حرب الصلب للمبتدئين.. ما تحتاج لمعرفته عن الصراع الذي يهدد الأسعار

في خطوة جديدة تحمل رسائل سياسية واقتصادية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم إلى 50%.
وخلال خلال خطاب ألقاه أمام جمهور من العمال، في منشأة “إيرفين ووركس” التابعة لشركة “يو إس ستيل” قرب مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا، فسر ترامب هذه الخطوة بأنها وسيلة لحماية الصناعة الوطنية من المنافسة الأجنبية، قائلاً: “لن ينجح أحد بعد الآن في تجاوز السياج”.
وكان مرسوم مضاعفة الرسوم قد نُشر، الثلاثاء، ودخل حيز التنفيذ عند الساعة 00:01 بالتوقيت المحلي (08:01 بتوقيت أبوظبي).
وتعد صناعة الصلب من الركائز الأساسية للاقتصاد العالمي، إذ تدخل في قطاعات حيوية مثل البناء، والنقل، والطاقة، والدفاع، وتشكل العمود الفقري للبنية التحتية الحديثة، وتمر هذه الصناعة بمرحلة دقيقة مع تزايد الضغوط الناتجة عن التحولات المناخية والتوترات الجيوسياسية، على رأسها قرار ترامب.
شروط أمريكية صارمة
بحسب تقرير لوكالة “بلومبرغ”، فإن الدافع المباشر لهذا القرار يعود إلى الرغبة في تسهيل إتمام صفقة مع شركة “نيبون ستيل” اليابانية، على أن تكون في صيغة شراكة وليست استحواذًا كاملاً.
الشراكة الجديدة، التي أعاد ترامب التفاوض حولها بعدما رفضها سابقًا خلال حملته، تتضمن استثمارات تقدر بـ14 مليار دولار خلال 14 شهرًا، وتشمل توسعة منشآت في بنسلفانيا، وتحديث مرافق وبناء مصانع جديدة في ولايات إنديانا ومينيسوتا وألاباما وأركنساس، بالإضافة إلى خطوط إنتاج مخصصة للصلب عالي الجودة الموجّه للدفاع وصناعة السيارات.
الاتفاق الجديد لم يأتِ دون شروط استثنائية فرضتها الإدارة الأمريكية، أبرزها ما سماه السيناتور الجمهوري ديفيد ماكورماك “السهم الذهبي”، الذي يمنح الحكومة الأمريكية حق التحكم في تعيينات مجلس الإدارة ومنع أي قرارات تؤدي إلى تخفيض الإنتاج.
ومن بين البنود: أن يكون الرئيس التنفيذي أمريكي الجنسية، وأن يشكل الأمريكيون أغلبية مجلس الإدارة، إلى جانب ضمان عدم تسريح أي عمال لمدة لا تقل عن عشر سنوات، مع الحفاظ الكامل على الطاقة الإنتاجية في أفران الصهر. وتخضع الصفقة لمراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS)، وهي هيئة أمنية تراجع عمليات الاستحواذ ذات الحساسية الوطنية.
بروكسل ترد بلهجة غاضبة
لم تمر الخطوة الأمريكية دون رد فعل دولي، إذ أعربت المفوضية الأوروبية عن استيائها مما وصفته بـ”التهديد المباشر للاستقرار الاقتصادي العالمي”، معتبرة أن رفع الرسوم الجمركية يقوض الجهود المشتركة لحل النزاعات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، معلنة أنها أنهت بالفعل مشاوراتها بشأن فرض إجراءات مضادة.
ومن المتوقع أن تبدأ العقوبات الأوروبية في 14 يوليو/تموز المقبل، وتشمل فرض رسوم انتقامية على واردات أمريكية مثل السيارات والمنتجات الزراعية، إضافة إلى إعادة تفعيل نزاعات قائمة في منظمة التجارة العالمية، وتقييد واردات من معدات الطاقة والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية.
عودة المواجهة التجارية مع الصين
في تصعيد جديد يعيد أجواء الحرب التجارية إلى الواجهة، شن الرئيس الأمريكي هجومًا على الصين، متهمًا إياها بعدم الالتزام بالاتفاق التجاري الذي تم التوصل إليه مطلع مايو/أيار في جنيف، قائلًا إن “الصين لم تلتزم.. إنها تلعب بنا منذ سنوات”.
وفي توضيح لاحق، قال ممثل التجارة الأمريكية جيمسون غرير إن الصين لم تُزل ما وصفها بـ”الحواجز غير الجمركية” التي تعطل دخول الشركات الأمريكية إلى السوق الصينية، معتبرًا ذلك إخلالًا جوهريًا بالاتفاق.
وفي المقابل، ردت وزارة التجارة الصينية ببيان حذر، أكدت فيه أن “الولايات المتحدة تواصل فرض قيود تمييزية على المنتجات والشركات الصينية”، داعية واشنطن إلى “احترام التزاماتها والابتعاد عن التصعيد غير المبرر”.
الصين تهيمن على سوق الصلب
تأتي هذه التطورات في وقت تشير فيه بيانات الجمعية العالمية للصلب إلى أن الصين تنتج أكثر من 50% من الصلب العالمي، ما يمنحها تأثيرًا حاسمًا على الأسعار العالمية، ويخشى خبراء أن تؤدي أي مواجهة جديدة في هذا القطاع إلى ارتفاع حاد في تكاليف البنية التحتية، لا سيما في الأسواق الناشئة والدول النامية.
وفي الولايات المتحدة، أطلقت شركات بناء تحذيرات بشأن تداعيات هذا التصعيد على مشاريع الإسكان والبنية التحتية، وقال أحد كبار المقاولين في ولاية تكساس لموقع “Construction Dive” إن استمرار الرسوم الجمركية سيؤدي إلى تباطؤ كبير في تنفيذ المشاريع العامة والخاصة، مضيفًا أن “أي ارتفاع في أسعار الصلب سينعكس مباشرة على المستهلك”.
انقلاب في موقف ترامب
ما يثير الانتباه أن ترامب، الذي كان من أشد المعارضين سابقًا للصفقة المقترحة بين “يو إس ستيل” و”نيبون ستيل” اليابانية، عاد ليعرض الصفقة نفسها تحت مسمى جديد “استثمار أجنبي تحت رقابة وطنية، حيث ترامب الاتفاقية المعدلة كإنجاز وطني، مشددًا على أن السيطرة الفعلية ستبقى بأيدي الأمريكيين.
وقال: “اليابانيون يضعون المال، لكن الأمريكيين من يرسمون القواعد. هذه ليست صفقة بيع، بل شراكة مشروطة بإشراف حكومي مباشر، ومكاسب فورية للعمال”، واعتبر محللون أن هذا التحول يعكس إعادة تموضع سياسي محسوب، يدمج بين الواقع الاقتصادي ومقتضيات المعركة الانتخابية.
إنتاج الصلب عالميًا
بحسب ما أفاد الموقع الرسمي للرابطة العالمية للصلب “World Steel Association”، بلغ الإنتاج العالمي من الصلب الخام نحو 1,882.6 مليون طن في عام 2024، بانخفاض طفيف نسبته 0.8% مقارنة بعام 2023.
الطلب العالمي
ووفقًا لتقرير “worldsteel” في أكتوبر/تشرين الأول 2024، تراجع الطلب العالمي على الصلب بنسبة 0.9% ليصل إلى 1,751 مليون طن، وكان متوقعًا أن يشهد عام 2025 انتعاشًا بنسبة 1.2%، مدفوعًا بتحسن في الطلب خارج الصين، غير أن قرار ترامب المفاجئ برفع الرسوم الجمركية أربك هذه التوقعات وأعاد شبح الركود إلى الواجهة، ما تسبب في تفاقم أزمة الصناعة وسط تحديات قائمة بالفعل.
أبرز مستوردي الصلب عالميًا
تشير بيانات منصة Tradeimex إلى أن الولايات المتحدة والصين وألمانيا واليابان من بين أكبر مستوردي الصلب في العالم من حيث الإنفاق، وتشير الإحصائيات لأواخر 2024 وبداية 2025 إلى التالي:
- الولايات المتحدة – 32.99 مليار دولار (7.2%)
- الصين – 32.07 مليار دولار (7%)
- ألمانيا – 28.87 مليار دولار (6.3%)
- تركيا – 23.65 مليار دولار (5.1%)
- إيطاليا – 22.86 مليار دولار (5%)
أبرز مصدري الصلب
في قائمة المصدرين، تحتفظ آسيا بموقع الريادة، مدعومة بالإنتاج الضخم في الصين وكوريا الجنوبية واليابان، ووفقًا لتقرير “الصلب العالمي بالأرقام 2024″، جاءت القائمة كالتالي:
- الصين – 94.3 مليون طن
- اليابان – 32.2 مليون طن
- كوريا الجنوبية – 27 مليون طن
- الاتحاد الأوروبي – 27 مليون طن
- ألمانيا – 22.5 مليون طن
- إيطاليا – 16.1 مليون طن
- بلجيكا – 14.6 مليون طن
- روسيا – 13.9 مليون طن
- تركيا – 12.7 مليون طن
- البرازيل – 12.3 مليون طن
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز