تقنية

منى.. كيف استعدت أكبر مدينة خيام بالعالم لاستقبال الحجاج يوم التروية؟


بمشاريع تطويرية عديدة وببرامج دعوية إيمانية، استعد مشعر منى، الذي يعد أكبر مدينة خيام بالعالم، لاستقبال ضيوف الرحمن في رحلة حجهم.

يُعد مشعر منى أحد أبرز المشاعر المقدسة المرتبطة بمناسك الحج، ويقع بين مكة المكرمة ومزدلفة، على بُعد نحو 7 كيلومترات من المسجد الحرام. تحيط به الجبال من كل جانب، ويقضي فيه الحجاج يوم التروية (8 ذو الحجة)، كما يبيتون فيه ليالي التشريق، ويؤدون شعائر مثل رمي الجمرات، والنحر، والحلق أو التقصير.

يوم التروية.. بداية رحلة الشعائر

شهد اليوم الأربعاء، الثامن من ذي الحجة / تموز، توافد حجاج بيت الله الحرام إلى صعيد مشعر منى لقضاء يوم التروية، محرمين بمختلف أنواع النسك: متمتعين، وقارنين، ومفردين، اقتداءً بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وانطلقت جموع الحجيج عبر وسيلتين رئيسيتين: الحافلات الترددية وقطار المشاعر، في ظل تنظيم محكم وخطط تفويج منظمة، وفرتها الجهات المختصة لتعزيز راحة الحجاج وتيسير حركتهم.

ويُستحب المبيت في منى خلال هذا اليوم تأسّياً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد سُمي “يوم التروية” بهذا الاسم لأن الناس كانوا يتروون من الماء ويحملون حاجتهم منه.

ويُصلي الحجاج في هذا اليوم الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرًا دون جمع.

خيام بطابقين.. تطويرات جديدة في منى

يشهد مشعر منى هذا العام مشروعات تطويرية تهدف إلى تعزيز راحة الحجاج وتحسين تجربتهم السكنية.

من أبرز هذه المشاريع: الخيام ذات الطابقين التي أطلقتها شركة كدانة للتنمية والتطوير، المطور الرئيس للمشاعر المقدسة، ضمن سلسلة من التحولات النوعية في إسكان الحجاج.

يهدف هذا المشروع إلى تقديم حلول إقامة دائمة ذات كفاءة تشغيلية عالية الجودة، بالتعاون مع القطاع الخاص بنسبة 75%، على مساحة تسكين تتجاوز 20,000 متر مربع، تضم أكثر من 40 مبنى مجهزًا بأكثر من 550 دورة مياه، وقد استغرق تنفيذه نحو 100 يوم.

ويستهدف المشروع تسكين ما يقارب 8,000 حاج من داخل المملكة وخارجها، بتصميم عصري يوازن بين الاستدامة والجودة، مع الحفاظ على الطابع الخاص بمنطقة منى، ما يرفع الطاقة الاستيعابية ويحسّن جودة الخدمات المقدمة في المشعر.

منى.. مدينة الخيام الكبرى

يحتفظ مشعر منى بهويته المكانية الفريدة، المتمثلة في جغرافيته الجبلية والشعائر التي تُقام فيه، وتُجسدها الخيام البيضاء الممتدة على جانبيه، والتي باتت علامة بارزة في منظومة الحج الحديثة.

وقد تطورت هذه الخيام عبر العقود؛ فبعد أن كانت تُنصب من القماش والخشب أو اللباد وتُفكك بعد الحج، أصبحت اليوم أكثر من 100 ألف خيمة ثابتة مصنوعة من الألياف الزجاجية المقاومة للحرارة والاشتعال، مكيفة بالكامل، وتخضع لنظام ترقيم دقيق يعزز التنظيم والسلامة.

تغطي هذه الخيام مساحة تُقدّر بنحو 2.5 مليون متر مربع، وتستوعب ما يقارب 2.6 مليون حاج وحاجة، مما يجعل مشعر منى أكبر مدينة خيام في العالم، بل وأكبر مدينة متكاملة مؤقتة تنبض بالحياة في موسم الحج.

“نحو منى”.. خريطة لوجستية دقيقة للحشود

ضمن المشاريع التطويرية لهذا العام، أطلقت شركة كدانة للتنمية والتطوير مشروع “نحو منى”، والذي يستهدف تعزيز الإرشاد المكاني وتنظيم حركة الحشود في المشعر، عبر خطة شاملة تسهم في تسهيل تنقل الحجاج وتقليل نسبة التائهين.

يشمل المشروع لوحات إرشادية متطورة تعتمد على تقسيمات لونية متناسقة مع مناطق المخيمات وأدوار منشأة الجمرات، ما يتيح للحاج تتبع مساره بدقة نحو مخيمه.

كما شمل المشروع إعادة تأهيل وتهيئة 135 موقعًا للصناديق الضاغطة الإضافية بمشعر منى، بما يعزز من مستوى النظافة والسلامة البيئية، ويُحسّن من كفاءة إدارة النفايات في موسم الحج.

الخيام الذكية.. الحاج في قلب منظومة رقمية

من جانبها، قدمت مجموعة stc حزمة من الخدمات الرقمية المتقدمة، في مقدمتها مشروع الخيمة الذكية وتقنيات إنترنت الأشياء، لرفع كفاءة منظومة الحج وتحقيق تكامل رقمي شامل بين الجهات المعنية.

تعتمد هذه الخيام على أجهزة استشعار وكاميرات متصلة بأنظمة رقمية ترصد الظروف البيئية داخل الخيام وخارجها، من حرارة ورطوبة ودخان، بما يعزز من معايير السلامة، ويتيح التعامل الفوري مع أي طارئ قد يؤثر على راحة الحجاج.

وتُمكن هذه الأنظمة من تحديد نوعية الخدمات المطلوبة بدقة—سواء كانت طبية، أمنية، أو خدمية—عبر بيانات لحظية تحدد مواقع وأعداد الحجاج، مما يسهم في إطلاق إنذارات مبكرة عند الحاجة، وحماية الأرواح عبر استجابات سريعة ودقيقة.

وتتكامل المنظومة الرقمية مع نقاط الدفاع المدني، عبر تدفق البيانات إلى غرف التحكم المركزية، ما يساعد على اتخاذ قرارات فورية بتوجيه الفرق الميدانية بشكل مباشر، ويُعزز من الجاهزية التشغيلية لكافة قطاعات الحج.

 الخيام البيضاء علامة فارقة في مشعر منى

مستشفى طوارئ جديد و7500 مسعف لخدمة الحجاج

في خطوة تعكس الارتقاء الشامل بالخدمات الصحية في المشاعر المقدسة، دشّنت وزارة الصحة مستشفى طوارئ جديدًا في مشعر منى بسعة 200 سرير، وذلك بالتعاون مع شركة كدانة للتنمية والتطوير، لتلبية احتياجات ضيوف الرحمن في الحالات الطارئة.

ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد، بل تم كذلك إطلاق ثلاث مستشفيات ميدانية إضافية بسعة تفوق 1200 سرير، بالشراكة مع وزارات الحرس الوطني، والدفاع، والداخلية.

وتتكامل هذه المنشآت مع منظومة طوارئ ضخمة تضم:

71 نقطة إسعاف ميدانية

900 سيارة إسعاف مجهزة

11 طائرة إخلاء طبي جوي

أكثر من 7500 مسعف، ينتشرون لتأمين الحشود وضمان سرعة الاستجابة لأي طارئ صحي.

مسجد الخيف.. روحانية ضاربة في عمق التاريخ ومرافق بحلة ذكية

على الصعيد الديني، يواصل مسجد الخيف، أحد أهم المعالم الدينية في مشعر منى، احتضانه للمصلين والزائرين ضمن برامج دعوية وتوعوية نوعية تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.

ويحظى المسجد بعناية خاصة نظرًا لما يمثله من مكانة تاريخية؛ فقد صلى فيه النبي محمد ﷺ، وتبلغ مساحته 23,500 متر مربع ويتسع لأكثر من 27,000 مصلٍّ، ويضم أربع مآذن، وتسعة أبواب رئيسة، وستة أبواب طوارئ.

وخلال موسم الحج لهذا العام 1446هـ، تم تنظيم برنامج دعوي مكثف يمتد من 8 إلى 12 ذي الحجة، ويشارك فيه نخبة من العلماء والدعاة لتقديم محاضرات إرشادية عقب الصلوات المفروضة، تتناول قضايا شرعية وروحانية تهم الحجاج مثل:

صفة حج النبي ﷺ

فضائل يوم عرفة

أحكام أيام التشريق

الاقتداء بالسنة وتعظيم الشعائر

آداب الدعاء، ونعمة الأمن، والعمل الصالح

وشهد المسجد أيضًا مشاريع تطويرية شاملة شملت:

تحديث أنظمة التكييف والتهوية بالكامل، مع تركيب وحدات تبريد ذكية متصلة بأنظمة مراقبة دقيقة.

أنظمة قياس نسبة ثاني أكسيد الكربون وتشغيل تلقائي للمراوح.

فرش أكثر من 27 ألف متر مربع من مساحة المسجد، ضمن بيئة تقنية وتشغيلية متكاملة.

وتأتي هذه التحديثات انسجامًا مع رؤية المملكة 2030، لتوفير تجربة روحانية آمنة ومتميزة للحجاج، وتعكس حرص وزارة الشؤون الإسلامية على تحقيق أعلى معايير الراحة والسكينة لضيوف الرحمن.

الخيام البيضاء علامة فارقة في مشعر منى

منى.. المشعر الذي يروي سيرة النبوة

في قلب المشاعر المقدسة، تتربع منى بمكانتها التاريخية والروحية العريقة، شاهدة على تعاقب الشعائر وامتدادها منذ عهد إبراهيم الخليل عليه السلام، وحتى حجّة الوداع التي ختم بها النبي محمد ﷺ دعوته.

منى ليست مجرد محطة زمنية في رحلة الحج، بل موضع إيماني تتجلى فيه معاني الطاعة والتجرد والامتثال، وركنٌ من أركان الذكرى التي تسكن وجدان المسلمين.

ويبدأ الحجاج يوم التروية في الثامن من ذي الحجة في مشعر منى، حيث يبيتون فيه، ثم يغادرون إلى عرفات صباح اليوم التاسع، ويعودون إليه صبيحة اليوم العاشر بعد المبيت في مزدلفة، ليقيموا فيه أيام التشريق الثلاثة، ويؤدوا رمي الجمرات الثلاث (الصغرى، الوسطى، الكبرى) في مشهد إيماني مهيب.

جسر الجمرات.. هندسة بشرية لتنظيم شعيرة مقدسة

في قلب منى، يبرز جسر الجمرات كأحد أبرز الإنجازات الهندسية الحديثة، بطاقة استيعابية تفوق 300 ألف حاج في الساعة الواحدة، ويمتد بطول 950 مترًا وعرض 80 مترًا، موزعًا على عدة طوابق، لتسهيل تدفق الحشود وتجنب الازدحام في أوقات الذروة.

ويحتوي الجسر على:

مداخل ومخارج متعددة من كافة الاتجاهات

سلالم كهربائية وممرات للطوارئ

منظومة مراقبة بالكاميرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لرصد الكثافات والتحكم في حركة الحشود لحظة بلحظة

ويمثّل الجسر ترجمة عملية لتطور إدارة الحشود، بما يعكس قدرة المملكة على الدمج بين قدسية المكان وكفاءة التنظيم.

منى في ذاكرة التاريخ

ولاسم منى تفسيرات متعددة، منها:

لما يُراق فيها من الدماء المشروعة (الأضاحي)

أو لتمنّي آدم عليه السلام فيها الجنة

أو لاجتماع الناس بها، إذ تقول العرب لكل مكان يجتمع فيه الناس “منى”

وفي هذا المشعر:

رمى إبراهيم عليه السلام الجمار، وذبح فدية ابنه إسماعيل

نزلت سورة النصر أثناء حجة الوداع

تمت بيعتا العقبة الأولى والثانية، حيث بايع 12 من الأوس والخزرج في الأولى، و73 رجلاً وامرأتان في الثانية النبي ﷺ قبل الهجرة إلى المدينة

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى