تقنية

من دفاتر الحرب الباردة.. انشقاق «دراماتيكي» لطيار غاضب


مرحلة الحرب الباردة شهدت انشقاق عدد من الضباط السوفيات، إلا أن أحد هذه الانشقاقات كان واقعة فريدة من نوعها.

فخلال الحرب الباردة التي استمرت من عام 1947 إلى 1991 تقريبًا، انشق عدد من المواطنين السوفيات البارزين وفروا إلى الولايات المتحدة فيما مثل -نوعا ما- انتصارا في الحرب الأيديولوجية بين واشنطن والاتحاد السوفياتي.

وشملت الانشقاقات انفصال ضباط سوفيات رفيعي المستوى خاب أملهم في النظام الاشتراكي، لكنّ انشقاقًا عسكريا واحدا لفت الانتباه بشكل خاص، وهو الانشقاق المفاجئ للطيار فيكتور بيلينكو، مع طائرته ميغ-25، وفقا لما ذكره موقع “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكي.

«دراماتيكي»

ففي عام 1976، أقدم فيكتور بيلينكو على ما يمكن اعتباره أكثر الانشقاقات دراماتيكية وأثرًا في الحرب الباردة، حيث كان الملازم أول في القوات الجوية السوفياتية في رحلة تدريبية عادية، من قاعدة تشوغويفسكا الجوية بالقرب من فلاديفوستوك.

وبعد الإقلاع، كسر بيلينكو التشكيل بطائرته ميغ-25 “فوكسبات”، وهبط لتجنب رصد الرادار، وحلّق لأكثر من 400 ميل شرقًا إلى هاكوداته في اليابان.

وقد تسبب ظهور بيلينكو على متن مقاتلة سوفياتية فوق سماء اليابان، دون سابق إنذار، في فوضى على الأرض.

وهبط في مهبط مدني، وتجاوز المدرج وألحق أضرارًا بجزء من الطائرة. وعلى الفور ألقت الشرطة اليابانية القبض على بيلينكو الذي طلب اللجوء في الولايات المتحدة في غضون ساعات.

«لغز ميغ 25»

كان هذا الانشقاق بمثابة منحة استخباراتية غير متوقعة للولايات المتحدة حيث تمكن المحققون الأمريكيون من تفكيك ودراسة الطائرة “ميغ-25″، والتي ظلت حتى ذلك الحين لغزًا للمحللين الأمريكيين.

فقبل دراسة طائرة بيلينكو، افترض الأمريكيون أن ميغ-25 مقاتلة تفوق جوي عالية المناورة مثل سابقاتها.

لكن تحليل الطائرة كشف أنه رغم سرعتها الكبيرة التي تبلغ 2.8 ماخ، أو حوالي 2080 ميلًا في الساعة، إلا أن مناوراتها كانت ضعيفة وغير مناسبة لمهام التفوق الجوي، لذلك استُخدمت بشكل أساسي لمهام الاعتراض الجوي.

كما قدّم بيلينكو لواشنطن فهمًا متعمقًا لثقافة سلاح الجو السوفياتي ورؤى حول ضعف التدريب الذي تلقاه الطيارون السوفيات وتفاصيل هيكل القيادة السوفيتية، بما في ذلك عقيدتهم العملياتية وتدهور الروح المعنوية التي سادت القوات السوفياتية.

وشكّل الانشقاق إحراجًا كبيرًا للاتحاد السوفياتي، الذي اضطر لاحقًا وتحت وقع الصدمة إلى تشديد الإجراءات الأمنية وفرض برامج تلقين عقائدي قسرية لأفراده العسكريين.

دعاية لأمريكا

في المقابل، منح الانشقاق دعاية ضخمة للولايات المتحدة التي اكتسبت مصدرًا موثوقًا به كان يشعر بخيبة أمل تامة من الحياة في ظل الحكم السوفياتي.

وكان بيلينكو مستاءً من انعدام الحرية الشخصية والأكاذيب المستمرة التي صاحبت النظام السوفياتي، حيث كان يعتقد أن الطيارين لا يتم احترامهم كما أنهم يعيشون في ظروف سيئة فيما كان يرى الغرب أرضًا للفرص والحقيقة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1976، منح الرئيس الأمريكي جيرالد فورد حق اللجوء لبيلينكو.

وبطبيعة الحال، أجرت وكالة المخابرات المركزية والقوات الجوية الأمريكية تحقيقات معه استمرت لعدة أشهر بعد انشقاقه استخلصت خلالها كل ما أمكنها من معلومات تتعلق بالقوات الجوية السوفياتية وطائرة ميج-25.

كما اضطر بيلينكو إلى تحمل الحبس الاحتياطي، خوفًا من أن يحاول السوفيات الوصول إليه على الأراضي الأمريكية للانتقام.

وفي النهاية، أصبح بيلينكو مواطنًا أمريكيًا بعد حصوله على الجنسية وعمل مستشارًا للجيش الأمريكي ومتعاقدي الدفاع، لكنه ظل بعيدًا عن الأنظار خوفًا من الانتقام السوفياتي، حتى أنه غيّر اسمه الأخير إلى شميدت طوال فترة الحرب الباردة.

ولحسن الحظ، لم يتعرض للاستهداف أبدًا بسبب انشقاقه، وعاش حياة هادئة حتى توفي في سبتمبر/أيلول عام 2023 بدار رعاية في إلينوي.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى