اخبار الامارات

حارس السر: ‹ جريدة الوطن

حارس السر:
كيف خدعت إسرائيل إيران بهجومها المفاجئ؟

 

بات واضحاً أن الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران، تحت اسم عملية “الأسد الصاعد””، والذي بدأ فجر يوم الجمعة 13 يونيو 2025، كان حصيلة تخطيط عسكري دقيق ربما استمر لسنوات؛ غير أن القرار السياسي في تل أبيب قد اُتخذ بالفعل منذ ثمانية أشهر، وتحديداً في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في أكتوبر 2024.
وعلى الرغم من تكرار التهديدات الإسرائيلية، خلال الشهور الأخيرة، باستهداف مرتقب لإيران؛ فقد تم النظر إليها بأنها امتداد للتهديدات التي يُطلقها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، باستمرار منذ عام 2012 تقريباً. وحتى مع تراكم المؤشرات حول هجوم عسكري إسرائيلي وشيك، نجح نتنياهو في صياغة “خطة خداع” جعلت الهجوم “مفاجئاً” على كل الأصعدة؛ سواء من حيث التوقيت أم الشدة أم التخطيط.
اليوم الـ61:
وفقاً لمراسل موقع “أكسيوس” الأمريكي، باراك رافيد، فقد جرى التخطيط الإسرائيلي لهجوم 13 يونيو الجاري لفترة قاربت الثمانية أشهر؛ ولكنه لم يذكر في تقريره لماذا اختارت إسرائيل تحديداً هذا اليوم لشن الهجوم. وهنا يمكن تناول الإشارة التي تحدث عنها الصحفي الإسرائيلي، أميت سيغال، بعد ساعات من الهجوم؛ حيث عاد إلى التغريدة التي كان قد نشرها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على حسابه على موقع “إكس” يوم 12 إبريل 2025، حين أعطى إيران مهلة “60 يوماً للتوصل إلى اتفاق”؛ لنجد أن يوم الهجوم الإسرائيلي، 13 يونيو، هو اليوم الـ61 من هذه المهلة.
لاحقاً، وبعد ما يقرب من مرور نحو 10 ساعات على انطلاق الهجوم، أشار ترامب بنفسه إلى هذا الأمر في منشور على منصة التواصل الاجتماعي “تروث سوشيال” (Truth Social)، حيث قال: “قبل شهرين، منحت إيران مهلة 60 يوماً للتوصل إلى اتفاق. كان عليهم فعل ذلك! اليوم هو اليوم الحادي والستين”.
وفي بيان رسمي أصدره الجيش الإسرائيلي بعد وقت قصير من بدء الهجوم، وصف اللجوء إلى القوة بأنه “ضربة استباقية”، وذلك بعد أن بلغ البرنامج النووي الإيراني حدّ التهديد الوجودي لإسرائيل، حسب البيان. ثم أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، أن الوضع “وصل إلى نقطة اللاعودة”، معتبراً أن الهجوم على إيران “ضرورة عملياتية فورية ومُلِحّة.. لإزالة التهديد الإيراني الاستراتيجي”، على حد قوله.
وبعيداً عن الخطاب الإسرائيلي الرسمي حول ضرورة الهجوم على إيران، فقد دأبت بعض التحليلات الإسرائيلية، على مدار الشهور الماضية، على تأكيد نقطة جوهرية، مفادها أنه إذا كانت تل أبيب تنوي التعامل مع إيران عسكرياً، فإن الفترة الحالية، وتحديداً بعد تراجع حزب الله اللبناني وانهيار نظام بشار الأسد في سوريا، هي الأنسب لإنهاء الخطر الإيراني بالنسبة لإسرائيل.
وقد تأسس الافتراض السابق على أن هناك عدة مكاسب ستجنيها إسرائيل حال تعجيلها بشنّ هجوم عسكري على إيران، وهي كالآتي:
– تحييد القدرات النووية الإيرانية جزئياً أو كلياً، بما في ذلك البنية التحتية، وربما أيضاً في مجال التسلح (البرنامج الصاروخي)، وهي إنجازات يصعب تحقيقها، بالنسبة لإسرائيل، من خلال تسوية دبلوماسية.
– استغلال نقاط ضعف إيران، في لحظة ربما لن تُتاح مجدداً لإسرائيل، والتي تتمثل في ضعف قدرات الدفاع الجوي وإنتاج الصواريخ الإيرانية التي تضررت، وفق تل أبيب، في الضربة الإسرائيلية أواخر أكتوبر 2024، وضعف المحور الموالي لطهران وخاصةً حزب الله في لبنان.
– استباق قيام إيران بإعادة بناء وتحديث منظومات الدفاع الجوي ومكونات إنتاج الصواريخ لديها، تدريجياً.
– إمكانية تسبب الضربة العسكرية الإسرائيلية في اضطرابات داخل إيران؛ بما قد يؤدي إلى تهديد التماسك الداخلي للنظام السياسي هناك، وربما إحداث تحولات سياسية جوهرية فيه.
الخداع الإسرائيلي:
أمّا وأن قررت إسرائيل شنّ هجوم عسكري شامل على إيران، فقد حاولت الحفاظ على عنصر المفاجأة، وتعزيزه عن طريق خطة خداع استراتيجي، تحول دون استعداد إيراني مناسب، وتضمن نجاح الضربة الإسرائيلية الأولى، بما يؤثر في قدرة طهران على الرد على إسرائيل. وقد تفاخر نتنياهو علناً بخطته لخداع طهران، في خطابه يوم 13 يونيو، بعد نحو 16 ساعة من انطلاق الهجوم؛ قائلاً: “أطلعنا واشنطن سلفاً على هجومنا.. قلت لترامب إن المفاجأة هي سر النجاح”. ومن اللافت أن وزير التراث الإسرائيلي المتطرف، عميحاي إلياهو، قد ألمح إلى هذا الأمر، قبل يوم من الهجوم، حيث قال “في الاستراتيجية، تُشن الحرب فجأة”. ولكن بسبب تاريخ التصريحات المتطرفة لهذا الوزير، لم يُؤخذ تصريحه هذه المرة على محمل الجد.
وبناءً على ما سبق، يمكن استعراض أبرز محاور خطة الخداع التي استند إليها نتنياهو في تضليل إيران قبل الهجوم، فيما يلي:
1- التظاهر بتركيز الحكومة الإسرائيلية على ملفي صفقة الرهائن وحلّ الكنيست: بدايةً من يوم 4 يونيو الجاري، تصاعدت أزمة تجنيد الحريديم في إسرائيل، والتي شغلت الرأي العام حتى يوم 12 يونيو، وذلك بعدما هددّت أحزاب الحريديم بحلّ الكنيست وتفكيك الحكومة الحالية. وبغض النظر عن أن هذا الموقف كان نتاج أزمة حقيقية، لكن اللافت أن الحكومة ركّزت جلّ جهدها وتصريحاتها في تلك الفترة على التعامل مع تلك الأزمة، وصوّرت أن حلها يقع على رأس أولوياتها، بجانب الملفات التقليدية الأخرى بالنسبة لها والمتمثلة في الحرب على قطاع غزة وتطورات الوضع في لبنان وكذلك جبهة الحوثيين في اليمن.
ولكن اتضح أن التركيز الحقيقي لحكومة نتنياهو كان مُنصباً على الإعداد للهجوم على إيران، حتى إن اجتماع مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي عُقد مساء يوم الخميس 12 يونيو، للتصويت على بدء هذا الهجوم، تم الترويج له على أنه مُخصص لمناقشة مفاوضات الرهائن؛ بل وتم تبليغ الوزراء مُسبقاً بأن جدول الأعمال سيُركز على المحادثات المُتعثرة لإطلاق سراح الإسرائيليين المُحتجزين في غزة. ولكن بمجرد دخول الوزراء إلى قاعة الاجتماعات، تمت مناقشة الهجوم على إيران، ووافق المجلس بالإجماع على الهجوم، ووقّع كل وزير على اتفاقية صارمة لعدم الإفصاح، والمعروفة باسم وثيقة “شومر سود” (حارس السر). ولم يطلّع على خطة الهجوم كاملة سوى عدد محدود من الأشخاص، وهم: نتنياهو، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس الموساد ديفيد برنياع، وكبار قادة الجيش الإسرائيلي.
2- إرسال إشارات مُضلِّلة من مكتب نتنياهو: في الأيام التي سبقت الهجوم على إيران، قام مكتب نتنياهو بتصدير سلسلة من الإشارات الخاطئة، بغرض خداع إيران والمجتمع الدولي بعيداً على التوقيت الحقيقي للهجوم. والبداية كانت مما سُمّي بـ”خدعة العطلة”، حيث أبلغ مساعدو نتنياهو الصحفيين بأنه يُخطط لقضاء عطلة عائلية في الجليل وسوف يحضر حفل زفاف ابنه أفنير يوم الاثنين 16 يونيو. بل إن السلطات الإسرائيلية قررت إغلاق المجال الجوي فوق حفل زفاف أفنير، ضمن دائرة نصف قطرها 1.5 كيلومتر حول مزرعة رونيت وسط إسرائيل، ولمدة 10 ساعات؛ وهو ما عزّز الانطباع بأنه لا يوجد عمل عسكري كبير وشيك.
كذلك أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بياناً يوم 12 يونيو، ذكر فيه أن وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس الموساد، ديفيد برنياع، سيتوجهان إلى واشنطن في اليوم التالي (13 يونيو)، للقاء المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، تمهيداً للجولة السادسة من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية، والتي كان من المُقرر عقدها في العاصمة العُمانية، مسقط، يوم الأحد 15 يونيو.
3- دور واشنطن في تضليل طهران: بات هناك يقين، عزّزته التقارير الدولية، بأن الرسائل الاستراتيجية الأمريكية الأخيرة لإيران، قد ساعدت إسرائيل على تنفيذ هجومها المفاجئ. فقد زعم مسؤولان إسرائيليان لموقع “أكسيوس” أن ترامب ومساعديه كانوا يتظاهرون فقط بمعارضة هجوم إسرائيلي علناً، ولم يُعربوا عن معارضتهم سراً. وقال المسؤولان الإسرائيليان إن الهدف كان إقناع طهران بعدم وجود هجوم وشيك، والتأكد من أن الإيرانيين الموجودين على قائمة الأهداف الإسرائيلية لن ينتقلوا إلى مواقع جديدة.
وقد أطلع مساعدو نتنياهو الصحفيين الإسرائيليين على أن ترامب، في مكالمة هاتفية يوم 9 يونيو، حاول وضع حد للهجوم الإسرائيلي، في حين أن هذه المكالمة في الواقع تناولت التنسيق قبل الهجوم، حسبما كشف المسؤولون الإسرائيليون. كذلك رفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفي الأخبار حول وجود خلاف بين نتنياهو وترامب بشأن الهجوم على إيران؛ مما خلق شعوراً بوجود خلاف دبلوماسي بينهما بالفعل، وربما ساعد ذلك على خفض مستويات التأهب الإيرانية بشكل أكبر.
ولا ننسى أن ترامب قد أقرّ، في بيان يوم 12 يونيو، بإمكانية القيام بعمل عسكري إسرائيلي؛ لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أنه لا يزال ملتزماً بالتوصل إلى حل دبلوماسي للقضية النووية الإيرانية. وقد تأكدت هذه الفرضية من خلال قراءة رد فعل ترامب الأولي على الهجوم الإسرائيلي، حيث صرّح لشبكة “إيه بي سي”، صباح يوم 13 يونيو، قائلاً: “أعتقد أن الهجوم الإسرائيلي كان ممتازاً. لقد منحناهم فرصة ولم يستغلوها. لقد تعرضوا لضربة قوية، قوية جداً”. وفي منشور له على موقع “تروث سوشيال”، قال ترامب: “إن القادة الإيرانيين لم يكونوا على دراية بما سيحدث. لقد ماتوا جميعاً الآن.. يجب على إيران إبرام اتفاق، قبل أن ينفد كل شيء”.
ختاماً، لجأت إسرائيل إلى تكتيك “الخداع” في الأيام التي سبقت هجومها غير المسبوق على إيران، بهدف ترسيخ انطباع غير صحيح لدى الجانب الإيراني بعدم استعدادها لشنّ أي هجوم قريباً؛ ومن ثم استطاع نتنياهو “مفاجأة” طهران من خلال تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، وأسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى