الحلول الذكية في البناء لتعزيز الاستدامة في المشاريع الإنشائية ‹ جريدة الوطن

إبراهيم إمام، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة PlanRadar :تشهد منطقة الخليج طفرة إنشائية مدفوعة بالمشاريع العملاقة، والتوسع الحضري، والأهداف الوطنية المتعلقة بالاستدامة، ما يجعل دور الحلول الذكية في قطاع البناء أكثر أهمية من أي وقت مضى. فمع مشاريع كبرى مثل نيوم، ومدينة القدية، وخطة دبي الحضرية 2040، أصبح من الضروري على قطاع البناء أن يواكب هذا التوسع ليس فقط بالسرعة والابتكار، بل أيضًا بالاستدامة.
في ظل هذا المشهد المتطور، تمكّن المنصات الرقمية وتقنيات PropTech المطورين والمقاولين من تقليل الأثر البيئي، وزيادة كفاءة المشاريع، وتكييف العمليات بما يتماشى مع أهداف الاستدامة الصارمة. ومع ازدياد أهمية الأطر البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) كمؤشرات رئيسية لجدوى المشاريع وجذب المستثمرين، أصبحت التكنولوجيا الذكية في البناء أداة للأداء ومصدرًا لميزة تنافسية.
الحلول الرقمية تقود الأثر المستدام
بدءًا من التخطيط والتوثيق وحتى الصيانة ما بعد التسليم، أصبحت التقنيات الذكية في البناء تدعم ممارسات أكثر استدامة عبر دورة حياة المبنى بالكامل. وتساعد هذه الأدوات الشركات على التحول من العمليات الورقية التقليدية إلى أنظمة رقمية متكاملة تُسهم في اتخاذ قرارات مدروسة، وتعزيز الشفافية، وتحقيق نتائج قابلة للقياس.
1. التوثيق الرقمي والتقارير
تعتمد أساليب التوثيق التقليدية بشكل كبير على الورق وجداول البيانات وأدوات غير مترابطة، مما يؤدي إلى التأخير وانخفاض الكفاءة وزيادة البصمة الكربونية. أما المنصات السحابية، فتمكن الفرق من إدارة المستندات، والصور، والموافقات، وتقارير التفتيش في الوقت الفعلي، ما يقلل من استهلاك الورق ويسرّع اتخاذ القرار المستند إلى البيانات.
فعلى سبيل المثال، ساعد التوثيق اللحظي في مشاريع ضخمة في الإمارات والسعودية على تقليل عدد الاجتماعات، وإلغاء التكرار، وتوفير وصول فوري إلى التصاميم المعتمدة والتقارير. هذه الشفافية تُخفف من العبء الإداري وتُعزز الأداء البيئي من خلال تقليل الحاجة للطباعة والأرشفة والنقل.
كما تعزز سجلات التدقيق الرقمية الرقابة التنظيمية، حيث تُسهّل على المطورين إثبات الامتثال للمعايير واللوائح دون تأخير، مما يسرّع الموافقات الرسمية ويُقلل من المخاطر القانونية أو المالية.
2. إدارة العيوب المؤتمتة ومراقبة الجودة
تشير الدراسات إلى أن إعادة العمل بسبب سوء التواصل أو اكتشاف المشكلات في وقت متأخر قد يُكلّف ما يصل إلى 15% من إجمالي تكلفة المشروع. تتيح المنصات الذكية لفرق المواقع تسجيل العيوب مباشرة على المخططات، وتعيينها مع ملاحظات بصرية، ومتابعة تنفيذها في الوقت الفعلي، مما يُقلل من هدر المواد، ويُحسّن مراقبة الجودة، ويُبقي المشروع ضمن الجدول الزمني.
علاوة على ذلك، يمكن استخدام المنصات الرقمية لتوحيد قوائم التفتيش، مما يضمن تناسق إجراءات الجودة بين مختلف المواقع والمقاولين، ويُعزز ثقافة التحسين المستمر.
3. الصيانة التنبؤية وإطالة عمر المباني
تستمر الاستدامة إلى ما بعد تسليم المشروع. ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تُشكل العمليات التشغيلية للمباني نحو 28% من الانبعاثات الكربونية العالمية. لذلك، تُعد كفاءة التشغيل والصيانة جزءًا أساسيًا من استدامة المباني.
توفر الأدوات الرقمية اليوم دعمًا لفرق إدارة المرافق في جدولة الصيانة الوقائية، وتتبع أداء الأصول، وإطالة عمر المعدات. كما تساهم هذه المنصات في تقليل الأعطال الطارئة، وتحسين كفاءة الطاقة، وخفض التكاليف التشغيلية.
وعند دمجها مع مستشعرات إنترنت الأشياء ونماذج BIM، تتيح هذه الأنظمة تحليلات تنبؤية تُساعد على اكتشاف المشكلات مبكرًا، وتحديد الأصول الضعيفة، وتخطيط الميزانيات بشكل أكثر دقة. وتُثبت هذه المنهجية فعاليتها في المشاريع السكنية والتجارية على حد سواء.
فعلى سبيل المثال، ساعد استخدام نظام رقمي لتتبع الصيانة في إحدى محفظات التجزئة في الإمارات على خفض استهلاك الطاقة لأنظمة التكييف بنسبة 22% خلال عام واحد، مع تحسين رضا المستأجرين.
التوافق التنظيمي والجاهزية لمعايير ESG
تُشدد دول الخليج رقابتها على أنظمة البناء بما يتماشى مع أهداف مثل رؤية السعودية 2030 واستراتيجية الإمارات لصافي الانبعاثات الصفرية 2050. وتساعد المنصات الرقمية الشركات على الامتثال لمتطلبات الحماية من الحريق، ومعايير كفاءة الطاقة، والتخلص من النفايات.
تُسهّل أدوات التوثيق الذكي الاستعداد لعمليات التدقيق اللازمة لاعتمادات مثل LEED و Estidama وMostadam، حيث تتيح إعداد الوثائق تلقائيًا، وتسريع الردود على الجهات المختصة، ما يُعزز ثقة أصحاب المصلحة.
كما يعتمد العديد من المطورين على أدوات التقارير الرقمية لتلبية متطلبات المعايير الدولية مثل GRESB وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs)، مما يُسهّل قياس الأداء البيئي واستعراضه لحظيًا.
أثر واقعي وتحول في السوق
تشهد الشركات التي اعتمدت الحلول الرقمية في مشاريعها نتائج ملموسة، من بينها:
● انخفاض معدلات إعادة العمل وهدر المواد
● تحسين التنسيق بين الأطراف المعنية وتسريع التقارير
● رؤية أوضح للإدارة والجهات التنظيمية
● زيادة الامتثال للمعايير البيئية
● تحسين هوامش الأرباح بفضل تقليل التأخير والأخطاء
ففي أحد المشاريع السكنية بالرياض، أدى استخدام حل رقمي لإدارة الإنشاءات إلى تقليص وقت التقارير اليدوية بنسبة 40%، وانخفاض إعادة العمل بنسبة 35%، مما أدى إلى توفير كبير في التكاليف وتحسين أداء المقاولين.
تُغيّر هذه النتائج توقعات السوق، حيث أصبحت القدرات الرقمية ومؤشرات الاستدامة جزءًا من معايير التقييم في المناقصات، إلى جانب السعر والمدة الزمنية.
بناء مستقبل أكثر استدامة
مع تبني الاستدامة كركيزة أساسية في خطط التنمية الوطنية، لم يعد التحول الرقمي خيارًا، بل أصبح ضرورة. ويتحول قطاع البناء في دول الخليج نحو ممارسات أكثر اعتمادًا على البيانات، ما يُمكّن الشركات من تسليم مشاريع تتسم بالكفاءة، والامتثال، والاستعداد للمستقبل.
ومن خلال دمج أدوات البناء الذكية من مرحلة التخطيط إلى إدارة الأصول، يساهم القطاع في إنشاء مدن أكثر مرونة، وبيئة عمرانية أكثر استدامة.
ومع استمرار تركيز الحكومات والمستثمرين والمجتمعات على الاستدامة، ستلعب المنصات الرقمية دورًا محوريًا في صياغة مستقبل القطاع، وضمان أن يكون الابتكار في خدمة البناء المسؤول والمستدام.