اخبار الامارات

فرص إصلاح الأمم المتحدة في عامها الثمانين ‹ جريدة الوطن

 

تحتفل الأمم المتحدة هذا العام (2025) بالذكرى الثمانين لتأسيسها؛ مما يجعل الفرصة مناسبة للتفكير الاستراتيجي، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، وانتشار الصراعات حول العالم.

فمن جهة، تشهد أوروبا حالياً صراعاً عسكرياً هائلاً بين روسيا والغرب في أوكرانيا، مع ارتفاع نسب التسليح المتطور من صواريخ بعيدة المدى وطائرات من دون طيار، ووجود مخاطر تتضمن احتمال استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، كما شهدت السنوات الأخيرة تدهوراً في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وتجميداً لجميع مفاوضات الحد من الأسلحة، إلى جانب تجدد التنافس الاستراتيجي بالقطب الشمالي، ومؤخراً بالفضاء الخارجي كذلك.

كما تجاوزت العلاقات بين الولايات المتحدة والغرب والصين المنافسة على قضايا التجارة والتكنولوجيا، وأصبحت تتجه بقوة نحو المواجهة الاستراتيجية، وانتشرت سيناريوهات المواجهة العسكرية، واستخدام القوة في جميع أنحاء العالم بنسب أوسع؛ حتى إنه في الشرق الأوسط وحده يمكن ذكر كل من ليبيا والسودان واليمن وسوريا كمناطق تحتوي على بعضٍ من هذه الصراعات، هذا. بالإضافة للمذبحة غير الإنسانية في غزة.

وهاجمت إسرائيل إيران، مُشعلةً بذلك صراعاً استراتيجياً خطراً جديداً بالشرق الأوسط قد تكون له عواقب وخيمة على السلام والأمن الإقليميين والدوليين، وعلى التجارة والنمو العالميين، وزادت الولايات المتحدة الطين بلة، حين قامت هي الأخرى بشنّ غارة عسكرية متطورة للغاية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية على الأقل؛ وذلك لأنها تعارض سياسات إيران النووية.

لكل هذه الأحداث عواقب جوهرية على النظام الدولي، والذي كان من المفترض للأمم المتحدة كمنصة دولية أن تعمل على تطويره وتحسينه، فلا يجب أن ننسى أن الأمم المتحدة كانت قد أُنشئت خصيصاً لمنع نشوب حرب عالمية ثالثة، ولحسن الحظ فإن هذه الحرب لم تقع حتى الآن. مع ذلك، فإن الخسائر في الأرواح والدمار الهائل على مر السنين واللذين نتجا عن المواجهات والصراعات المختلفة حول العالم – بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، النزاعات المذكورة أعلاه- قد تجاوزا ما شهدته الحروب العالمية السابقة.

استخدامات صارخة للقوة:

اللافت أن الاستخدام الصارخ والمتكرر للقوة، والذي يتنافى مع مبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة كان في أغلب الأحيان يتم على أيدي الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو حلفائهم المقربين المحصنين من المساءلة من جانب القوى الكبرى. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار الدائم وغير المشروط في غزة وإطلاق سراح الرهائن ورفع القيود الإنسانية، بالرغم من تصويت الأعضاء الأربعة عشر الآخرين لصالحه.

هناك مثال آخر يتعلق باستخدام إسرائيل القوة ضد إيران في مخالفة صارخة لميثاق الأمم المتحدة، وبغض النظر عن بعض الملاحظات والاستفسارات المشروعة التي طرحتها وكالة الطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني، والتي كان على إيران الإسراع في الرد عليها؛ فإن استهداف المواقع النووية الإيرانية، يتعارض تماماً مع مواد البروتوكول الإضافي لاتفاقية جنيف، والذي يحظر صراحةً مثل هذه الأعمال.

نتيجةً لذلك؛ فإن مصداقية الأمم المتحدة – خاصةً هيئاتها السياسية- قد تضررت بشكل كبير على مر السنين. وعلى رأس هذه الهيئات مجلس الأمن، والذي يبدو أنه لا يستجيب إلا عندما يخدم مصالح القوتين العظميين الأهم بالعالم، بغض النظر عما إذا كانت الإجراءات التي سيتخذها متوافقة مع ميثاق الأمم المتحدة أم لا.

مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في خريف عام 2025، من المتوقع أن يُلقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطاباً نارياً يقوم فيه بانتقاد الجمعية، ويتهم المنظمة بالهدر المفرط في النفقات وارتفاع نسب الفساد، ويدعو إلى القيام بإصلاحات جوهرية واتخاذ خطوات لخفض النفقات. باعتبار أن الولايات المتحدة مقتنعة بأن المزيد من الحزم هو فضيلة تحمد؛ ولذا فقد رأيناها تنسحب بالفعل من العديد من المنظمات الدولية مثل اليونسكو، ومن اتفاقيات عالمية مثل اتفاق تغير المناخ.

حتى وقت قريب، لم يقم أكثر من 100 دولة بتسديد اشتراكاتهم لجمعية الأمم المتحدة الخاصة بعام 2025، وتبلغ متأخرات الولايات المتحدة وحدها 1.5 مليار دولار، كما تأخرت الصين هي الأخرى في دفع ما عليها؛ مما يضع ضغطاً كبيراً على قدرة المنظمة على الاستمرار في دفع الرواتب، ومتابعة حفظ السلام، وتنفيذ البرامج المختلفة.

ما زلت مؤيداً قوياً للأمم المتحدة، والتي على الرغم من كونها منهكة؛ فإنها تُمثّل أفضل منصة متاحة للتعددية في عالمنا الحالي؛ إذ يصل عدد أعضاء الأمم المتحدة حالياً إلى 193 عضواً، وقد يصبح 194 عما قريب؛ حيث تسعى فلسطين جاهدة للانضمام للمنصة الدولية.

من الواضح أن الغالبية العظمى من المجتمع الدولي في الوقت الحالي تُفضّل القيام بإصلاح العلاقات بين الدول داخلياً عبر منصة الأمم المتحدة عن أن يحدث هذا بمنأى عنها. لكن هناك كثيرون في الوقت نفسه غير راضين عن الأداء الحالي للمنظمة؛ ولذا فهم يدعون بشدة إلى اتخاذ خطوات جادة نحو الإصلاح، بغية تفعيلها وليس إضعافها.

مطالب الإصلاح الثلاثة:

تمثل ثلاثة مطالب أساسية جوهر دعوات الإصلاح، سواءً داخل الأمم المتحدة نفسها والوكالات المتخصصة التابعة لها، أم داخل منظمات بريتون وودز، وهي:

1- زيادة التمثيل من خلال زيادة عدد الأعضاء في المجالس المختلفة، مثل مجلس الأمن، لنحو 24 إلى 25 عضواً، بما في ذلك إضافة مقعدين دائمين على الأقل لإفريقيا، والتي لا تمثل بشكلٍ كافٍ.

2- وضع صلاحيات أكثر عدلاً من خلال الحد من إساءة استخدام أو الإفراط في استخدام حق النقض (الفيتو)، واتخاذ إجراءات مناسبة لمنع التجاوز المحتمل من قبل الجمعية العامة.

3- اتخاذ قرارات أكثر إنصافاً من خلال تقليل الأصوات المرجحة للدول الأكثر تقدماً، وخاصةً بالمؤسسات المالية متعددة الأطراف.

قد تبدو محاولات الحد من السلطة المطلقة للأعضاء الدائمين للأمم المتحدة غير واقعية، في ضوء الموقف الأمريكي، ولكن يجب التنويه أن الولايات المتحدة كانت سباقة في طرح سبل الإصلاح سابقاً، لأول مرة عام عندما اقترحت عام 1950 قرار الجمعية العامة رقم 377 “الاتحاد من أجل السلام” خلال الحرب الكورية، في محاولة لتجاوز حق النقض السوفيتي، والذي كان يعوق جهود مجلس الأمن للدفاع عن كوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية. وينص جوهر القرار على أن الجمعية العامة يحق لها الدعوة إلى دورة استثنائية طارئة إذا لم يمارس مجلس الأمن مسؤوليته.

من المثير للاهتمام، أنه وعلى مدار الثمانين عاماً الماضية، عجز مجلس الأمن مراراً وتكراراً عن اتخاذ قرارات مناسبة ومنصفة عندما كان الأعضاء الدائمون أو حلفاؤهم المقربون هم موضع القرار. وهكذا عانى الأعضاء الدائمون وغير الدائمين من حالة الجمود التي كانت تنتج عن ذلك؛ ولذا فسيستفيد الجميع – والمنظمة نفسها- من مناقشة تطبيق طلبات الإصلاح الثلاثة المذكورة أعلاه.

وفيما يتعلق بخطوات الإصلاح الخاصة بالمنظمة، تسعى “مبادرة الأمم المتحدة الثمانين” الصادرة في مارس 2025، و”ميثاق المستقبل والأمم المتحدة 2.0″ إلى تحديث عمل المنظمة وأولوياتها وعملياتها من خلال الاستجابة المباشرة للأزمة المالية، فعلى سبيل المثال، يمكن نقل بعض الهيئات من نيويورك إلى أماكن أقل تكلفة مثل نيروبي.

وبينما تُعد هذه الخطوة جديرة بالثناء، إلا أنه ينبغي سداد المتأخرات بالكامل؛ حيث إن المساواة في العضوية والإصلاح التشغيلي للأمم المتحدة ومنظماتها على أساس الجدارة يظلان ضروريين لمواجهة تحديات وأولويات القرن الحادي والعشرين. وينبغي أن يشمل هذا الإصلاح بشكلٍ جوهري، لا حصري، الجوانب المالية للمنظمة.

يجب أيضاً على الأعضاء غير الدائمين بالأمم المتحدة (“الدول الوسطى” من جميع أنحاء العالم) تشكيل تحالف من الراغبين في تبني الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية للمنظمات الحكومية الدولية دون تحيز أو تفضيل. وعليهم أن يتحدوا معاً، ويؤكدوا بحزم أن العمل على إصلاح وتقويم التعددية أمرٌ ضروريٌّ لضمان مصداقيتها.

لذا؛ ينبغي استغلال فرصة الذكرى الثمانين لقيام الأمم المتحدة، واتخاذ خطوات بناءة للوصول إلى إصلاحات تعاونية حقيقية، وإلا فقد تنظر الأجيال القادمة إلى هذه الذكرى على أنها نقطة تحولٍ مشؤومةٍ سقطت فيها المنظمة في هاوية انعدام المصداقية والأهمية السياسية.

 

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى