البرهان والجيش السوداني.. إحلال وإبدال لضبط الولاءات وترسيخ السلطة

فتحت القرارات الأخيرة التي أصدرها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بابًا جديدًا للجدل حول طبيعة إدارته للمؤسسة العسكرية.
فبينما قدّمها مقربون منه كخطوات لتنظيم القيادة وتوحيد الجبهة الداخلية، اعتبرها محللون عسكريون وسياسيون أنها لا تعكس إصلاحًا مؤسسيًا بقدر ما تمثل محاولة واضحة لإعادة توزيع الولاءات داخل الجيش بما يخدم بقاء البرهان في موقعه، وسط انقسامات متزايدة من أجنحة الإخوان التي تسيطر على قرار المؤسسة العسكرية وضغوط إقليمية ودولية.
قرارات مثيرة للجدل
شملت التغييرات تشكيل رئاسة جديدة لهيئة الأركان، وإحالة وترقية عدد من كبار الضباط، بجانب إخضاع القوات المساندة للقانون العسكري.
وقد أثارت هذه الخطوات اهتمامًا واسعًا في الشارع السوداني، إذ يرى كثيرون أنها جاءت نتيجة قلق البرهان من احتمالات التمرد داخل المؤسسة العسكرية، وسعيه إلى إحكام قبضته على مفاصل القرار عبر استبدال قيادات بأخرى يثق في ولائها له.
إدارة الولاءات لا بناء المؤسسات
الرائد (م) وليد عزالدين، وهو خبير عسكري سوداني، أوضح في قراءته لـ«العين الإخبارية» أن هذه القرارات لا يمكن النظر إليها بوصفها “محاولة لتطهير الجيش” أو إعادة هيكلته على أسس مؤسسية، بل هي أقرب إلى إعادة ترتيب الولاءات داخل صفوف الضباط.
وأكد أن البرهان يدير المشهد من زاوية مصلحته الشخصية، حيث يسعى لضمان أن تكون القيادة العليا مرتبطة به مباشرة، بما يمنحه القدرة على اتخاذ قرارات عسكرية وسياسية بعيدًا عن أي معارضة داخلية.
وأشار عزالدين إلى أن التغييرات تكشف بوضوح عن حجم الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية، لاسيما تلك المرتبطة بالأجنحة الإخوانية التي ظلت متغلغلة في الجيش لعقود.
ويرى أن البرهان يحاول إدارة هذه الانقسامات بحيث لا تتحول إلى عائق أمام تفاهماته الإقليمية والدولية، لكنه لا يعمل في الوقت نفسه على معالجة جذور الأزمة التي تهدد وحدة الجيش ومهنيته.
تعزيز السلطة لا مركزية القيادة
وفقًا للمحلل السياسي السوداني د. حاتم طه، فإن المعلومات المتداولة حول صراعات أجنحة “الإخوان” داخل الجيش السوداني تكشف مدى تغلغل الانتماءات الحزبية في صفوفه، ما يجعل تعيينات البرهان الأخيرة محاولة لضبط الولاءات وترسيخ سلطته، أكثر من كونها خطوات مهنية.
وقال طه لـ”العين الإخبارية” إن قرارات تشكيل رئاسة هيئة الأركان تهدف لتعزيز السيطرة المركزية وضمان ولاء الضباط للقيادة العليا، بعيدًا عن التأثيرات الحزبية. كما أشار إلى أن إحالة قادة للتقاعد، مثل اللواء الطاهر محمد العوض الأمين (الخاضع لعقوبات دولية)، تعكس محاولة لتجميل صورة المؤسسة وتقليل الضغوط الخارجية.
وأكد أن انقسامات “الإخوان” وصراع النفوذ داخل الجيش تعكس الطابع السياسي المتغلغل في المؤسسة العسكرية، مرجحًا أن التعيينات جزء من خطة لضبط الولاءات في ظل حرب معقدة تتداخل فيها الحسابات الإقليمية والدولية، حيث تكون الكلمة لمن يملك السيطرة على الأرض.
صراع داخلي متفاقم
الناشط السياسي مجاهد البشرى أشار إلى أن بعض قرارات الإحالة شملت ضباطًا محسوبين على تيارات مختلفة داخل الجيش، موضحًا أن مجموعات منهم عقدت اجتماعات لمناقشة التعيينات الأخيرة وقراءتها في سياق “صراع النفوذ الداخلي”.
وأكد أن هذه الخطوات تكشف أن البرهان لا يسعى لإصلاح الجيش بقدر ما يحاول ضبط موازين القوة داخل المؤسسة لمصلحته الخاصة.
وأضاف البشرى أن ما يجري اليوم هو “إدارة للأزمة عبر الولاءات الشخصية والارتباطات التنظيمية”، وهو ما يعمّق الانقسامات بدلًا من معالجتها.
ورأى أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى مزيد من التشظي داخل الجيش، خصوصًا مع تزايد الضغوط الدولية والإقليمية لإيجاد مخرج سياسي للحرب.
وكشف البشري عن معلومات مسربة بأن الإحالات الأخيرة في الجيش السوداني شملت أكثر من 150 ضابطًا محسوبين على التيار “الإخواني” المناوئ للأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، علي كرتي وعبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، وأن جميع المناوئين على صلة بمجموعتي نافع علي نافع وإبراهيم محمود (أبرز قيادات حزب المؤتمر الوطني الذراع السياسي للتنظيم الإخواني في السودان).
وبحسب تدوينة مجاهد البشري، فإن مجموعة نافع وإبراهيم محمود عقدت اجتماعًا سريًا مساء الأحد 17 أغسطس/آب الجاري بمدينة كسلا شرقي السودان، في منزل أمير كتيبة الطيارين هشام شكاي.
وكانت أبرز مخرجات اجتماعهم تدور، حول رفض تعيينات البرهان واعتبارها محاولة للانتصار لتيار علي كرتي.
وأوصى الاجتماع برفع مذكرة باسم «كتائب البرق الخاطف» والطيارين ومحمد عبد الله خلف الله ضد إحالة اللواء نصر الدين وحسن وأسامة ومحمد عبد الله، واعتبار القرار تنفيذًا لأجندة كرتي. ووجه الاجتماع اتهاماً للبرهان بالسعي للتخلص من أي ضابط مؤثر قد يشكل تهديدًا له.
وقال البشرى إن التقديرات تشير إلى أن البرهان وكرتي التقطا مبكرًا إشارات التحرك المضاد، مما دفعهما لقطع الطريق على الضباط الموالين لمجموعة نافع.
مشيراً إلى أن هذا التصدع المتنامي قد يؤدي إلى انشقاقات حقيقية داخل الجيش السوداني، خاصة إذا استمر البرهان في سياسة الإقصاء والإحالة، وهو ما قد يدفع المجموعات الغاضبة إلى خطوات أكثر راديكالية خلال الفترة المقبلة- بحسب ما صاغه في تدوينته على “فيس بوك”.
هيئة أركان جديدة.. بلا تغيير جوهري
أصدر البرهان قرارًا بتشكيل رئاسة جديدة لهيئة الأركان، تضمنت تعيين الفريق أول محمد عثمان الحسن رئيسًا، والفريق مجدي إبراهيم عثمان نائبًا لشؤون الإمداد، والفريق خالد عابدين الشامي نائبًا لشؤون التدريب، والفريق عبد الخير عبدالله ناصر نائبًا لشؤون الإدارة، والفريق مالك الطيب خوجلي نائبًا لشؤون العمليات، والفريق محمد علي أحمد صبير رئيسًا لهيئة الاستخبارات العسكرية.
كما شملت التغييرات تعيين الفريق معتصم عباس التوم مفتشًا عامًا للجيش، والفريق علي عجبنا محمد قائدًا للقوات الجوية، والفريق زكريا إبراهيم محمد مديرًا للخدمات الطبية، واللواء عمر سر الختم حسن قائدًا لقوات الدفاع الجوي، إلى جانب إحالة عدد من كبار الضباط للتقاعد.
ورغم ضخامة هذه القائمة، يرى محللون أنها لا تحمل جديدًا من حيث مضمون المؤسسة العسكرية، إذ إن جوهرها ما يزال قائمًا على خدمة موقع البرهان وترسيخ سلطته الشخصية، أكثر من كونه تجديدًا في العقيدة العسكرية أو معالجة لخلل الهيكل القيادي.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز