تقنية

ليبيا أمام اختبار صعب.. لا تنمية مستدامة دون تقليل هيمنة النفط


أكد الخبير الاقتصادي والمرشح السابق لمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، أنور ياسين، أن قراءة الأداء المالي الأخير للبلاد يكشف مزيجا من المؤشرات الإيجابية والتحديات الهيكلية التي تتطلب إصلاحات جادة لضمان الاستدامة.

كشف مصرف ليبيا المركزي، في تقريره المالي عن الفترة من 1 يناير/كانون الثاني حتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تفاصيل الإيرادات والنفقات العامة، وأكد المصرف استمرار اعتماد الميزانية بدرجة كبيرة على العائدات النفطية، بالتزامن مع تسجيل فائض أولي بين إجمالي الموارد والمصروفات.

أوضح أنور ياسين في تصريحات لـ”العين الإخبارية”، أن التقرير المالي لمصرف ليبيا المركزي يقدم صورة دقيقة عن الوضع الاقتصادي، تعكس قدرة الدولة على ضبط الإنفاق رغم استمرار الاعتماد الكبير على العائدات النفطية.

وأشار مصرف ليبيا المركزي إلى أن إجمالي الإيرادات خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام بلغ 115.4 مليار دينار، بما يعادل 21.24 مليار دولار. وبلغت المبيعات النفطية 93.3 مليار دينار (17.17 مليار دولار)، فيما سجلت الإتاوات النفطية 16 مليار دينار (2.94 مليار دولار)، مما يعكس اعتماد الميزانية على القطاع النفطي بنسبة تتجاوز 90%.

وشدد الخبير الاقتصادي أنور ياسين على أن نتائج التقرير المالي تؤكد أهمية تنويع مصادر الدخل، معتبرًا أن استمرار سيطرة الإيرادات النفطية يضع الاقتصاد أمام مخاطر تستوجب إجراءات إصلاحية وتعزيز الشفافية المالية.

أوضح تقرير البنك المركزي، أن الإيرادات غير النفطية جاءت كالتالي:

  • الضرائب: 1 مليار دينار (184 مليون دولار)
  • الجمارك: 146.6 مليون دينار (26.97 مليون دولار)
  • الاتصالات: 192.2 مليون دينار (35.36 مليون دولار)
  • أرباح المصرف المركزي: 450 مليون دينار (82.8 مليون دولار)
  • الإيرادات الأخرى: 4.3 مليار دينار (792 مليون دولار)

وأشار المصرف إلى أن إجمالي الإيرادات غير النفطية ما يزال محدودًا مقارنة بالقطاع النفطي.

أوضح المصرف أن إجمالي الإنفاق حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني بلغ 107.5 مليار دينار (19.79 مليار دولار)، وتوزع على النحو التالي:

  • المرتبات: 61.2 مليار دينار (11.26 مليار دولار)
  • النفقات التسييرية: 5.8 مليار دينار (1.07 مليار دولار)
  • مشروعات التنمية: 7.2 مليار دينار (1.32 مليار دولار)
  • الدعم: 33.3 مليار دينار (6.13 مليار دولار)
  • الطوارئ: صفر دينار

ولفت التقرير إلى أن بند المرتبات لا يشمل راتب شهر نوفمبر/تشرين الثاني للجهات التي لم تُحِل بياناتها إلى وزارة المالية قبل نهاية الشهر، مؤكدًا أن إصدار هذه البيانات الدورية يأتي ضمن جهود المصرف لتعزيز الشفافية المالية.

كشف المصرف أن استخدامات النقد الأجنبي حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2025 بلغت 28.5 مليار دولار، بعجز يُقدَّر بـ7.8 مليار دولار تقريبًا، نتيجة تراجع إيرادات النفط الموردة للمصرف منذ شهر سبتمبر/أيلول. وتمت تغطية هذا العجز من عوائد استثمارات المصرف من الودائع ومحافظ السندات والذهب، مع تسجيل زيادة في الأصول الأجنبية بقيمة 2.2 مليار دولار.

وبلغ إجمالي الأصول الأجنبية بالمصرف نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 99.4 مليار دولار، مقارنة بـ95.5 مليار دولار نهاية عام 2024.

ويبلغ متوسط سعر صرف الدولار في مصرف ليبيا المركزي اليوم 5.436 دينار ليبي للدولار الواحد.

أوضح المصرف أن الميزانية سجلت فائضًا أوليًا نتيجة تجاوز الإيرادات حجم الإنفاق، إلا أن الاعتماد شبه الكامل على العائدات النفطية يظل تحديًا جوهريًا، ما يستلزم العمل على تنويع مصادر الدخل وتعزيز الإيرادات غير النفطية لضمان استدامة مالية طويلة الأجل.

قال الخبير الاقتصادي أنور ياسين، إن التقرير المالي الأخير يقدم “صورة مالية مختلطة”، تجمع بين مؤشرات إيجابية في الانضباط المالي وأخرى مقلقة تتعلق بالتحديات الهيكلية للاقتصاد الليبي.

وأشاد ياسين، في تصريحاته لـ”العين الإخبارية”، بتسجيل الميزانية فائضًا أوليًا بلغ 7.9 مليار دينار (1.45 مليار دولار)، معتبرًا ذلك نتيجة مباشرة لتحسن الشفافية المالية وتطوير إدارة المالية العامة.

وأوضح ياسين أن الاعتماد شبه الكامل على العائدات النفطية — التي تجاوزت 20.11 مليار دولار وشكلت أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات — يمثّل الخطر الأكبر على الاستدامة المالية، في ظل محدودية الإيرادات غير النفطية التي لم تتجاوز 6.1 مليار دينار. وأكد أن هذا الخلل يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات السوق والأزمات المرتبطة بالإنتاج أو الأسعار العالمية.

وأشار الخبير إلى أن هيكل الإنفاق العام يعاني خللاً واضحًا، إذ تستحوذ المرتبات والدعم على أكثر من 87% من إجمالي النفقات، بينما تبقى مخصصات التنمية متواضعة عند 7.2 مليار دينار. وشدد على ضرورة إعادة توجيه الإنفاق نحو الاستثمارات الإنتاجية، باعتبارها السبيل الوحيد لتنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل مستدامة وتحقيق نمو حقيقي.

وفي ملف النقد الأجنبي، لفت ياسين إلى أن استخدامات العملة الصعبة بلغت 28.5 مليار دولار بعجز قدره 7.8 مليار دولار، جرى تعويضه من عوائد استثمارات المصرف، ما يعكس مرونة مالية مهمة. كما أن ارتفاع إجمالي الأصول الأجنبية إلى 99.4 مليار دولار يُعد مؤشرًا على قدرة المصرف على حماية الدينار رغم تذبذب إيرادات النفط.

واختتم ياسين بالتأكيد على أن الأداء المالي الإيجابي لا يمكن فصله عن حالة الاستقرار السياسي النسبي التي تشهدها البلاد، مشيرًا إلى الدور المحوري لرئيس المجلس الرئاسي في دعم هذا الاستقرار وتسهيل عمل المؤسسات السيادية. ودعا إلى تنويع مصادر الدخل، وإصلاح منظومة الدعم، وزيادة الإنفاق على التنمية، مؤكدًا أن ليبيا تمتلك المقومات اللازمة لتحقيق تحول اقتصادي مستدام إذا توفرت الإرادة السياسية والانسجام المؤسسي.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى