اتفاق «بغداد – أربيل التاريخي».. مناورة مؤقتة أم حل جذري؟

رغم إغلاق العراق لملف الخلاف المزمن بين بغداد وأربيل، إلا أن التساؤلات لا تزال قائمة: هل يُعدّ الاتفاق الأخير حلاً مؤقتاً فرضته الضغوط، أم معالجة شاملة لجذور الأزمة؟
في خطوة وُصفت بـ”التاريخية”، صادق مجلس الوزراء العراقي، يوم الخميس، على مذكرة تفاهم شاملة تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي، وإنهاء الخلافات المستمرة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان. وتشمل المذكرة تنظيم صرف رواتب موظفي الإقليم، إلى جانب إدارة صادرات النفط والإيرادات المحلية غير النفطية.
جاءت هذه المصادقة عقب جلسة استثنائية للمجلس خُصصت بالكامل لحسم ملف الرواتب، وسط تصاعد الضغوط الشعبية والسياسية لضمان حقوق موظفي الإقليم الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر.
ويمثّل هذا الاتفاق خطوة أولى نحو إعادة بناء الثقة بين المركز والإقليم، بعد سنوات من الخلافات السياسية والاقتصادية. فبينما اشترطت بغداد التزامات مالية ونفطية واضحة، حصلت أربيل في المقابل على وعد بتمويل منتظم لرواتب الموظفين، بعد أن ضمنت بغداد إشرافها الكامل على صادرات نفط الإقليم.
مقدّمة لتفاهمات أوسع
النائبة جوان إحسان فوزي، عن الاتحاد الوطني الكردستاني، قالت لـ”العين الإخبارية” إن الاتفاق يحظى بدعم واسع من مختلف القوى السياسية، وقد يكون مقدّمة لتفاهمات أوسع في المرحلة المقبلة.
وأضافت أن “الخطوة الحالية تعكس رغبة جادة لدى الطرفين لحل الملفات العالقة ضمن إطار دستوري وتوافقي”، مشيرة إلى إمكانية توسيع التفاهم ليشمل ملفات الطاقة، والمنافذ الحدودية، والموارد المالية، مما قد يُمهّد لتسويات شاملة تُعزز الاستقرار الوطني.
مناورة سياسية؟
في المقابل، يرى النائب علاء الحيدري، عن الإطار التنسيقي وممثل محافظة البصرة، أن اتفاق أربيل – بغداد لا يعدو كونه مناورة سياسية من قِبل قيادة إقليم كردستان.
وقال لـ”العين الإخبارية”: “القيادة السياسية في الإقليم تسعى للحصول على تمويل الرواتب بطرق تخالف الدستور وقرارات المحكمة الاتحادية، دون الالتزام بتسليم واردات النفط أو الإيرادات المحلية إلى الخزينة العامة”.
واتهم الحيدري أربيل بمحاولة كسب الوقت إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، مشدداً على أن القادة الكرد “لا يسعون لحلول جذرية، بل يراهنون على إطالة أمد الخلافات وفرض الأمر الواقع، تمهيداً لمساومات سياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات”.
ووصف التحركات الكردية بأنها “ابتزاز سياسي”، متهماً الطبقة الحاكمة في أربيل والسليمانية باستغلال الأزمات لتحقيق مكاسب ذاتية، على حساب المواطن الكردي.
تفاصيل الاتفاق
وفق بيان مجلس الوزراء، صادق المجلس في جلسته الاستثنائية، التي ترأسها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، على مذكرة التفاهم مع حكومة الإقليم، والتي تُعد اختراقاً سياسياً ومالياً لواحد من أكثر الملفات تعقيداً بين الطرفين.
الاتفاق يمتد لعام كامل إلى حين إقرار موازنة عام 2026، ويتضمّن التزامات متبادلة أبرزها:
النفط: تلتزم حكومة الإقليم بتسليم 230 ألف برميل يومياً إلى شركة تسويق النفط الوطنية (سومو)، إضافة إلى 50 ألف برميل للاستهلاك المحلي. مقابل ذلك، تدفع وزارة المالية الاتحادية 16 دولاراً عن كل برميل يُسوَّق، نقداً أو عيناً، وفق تعديل قانون الموازنة.
المشتقات النفطية: يُلزم الاتفاق وزارة النفط الاتحادية بتقييم الحاجة الفعلية للإقليم من المشتقات، وتحديد الكميات المطلوبة بالتعاون مع وزارة الثروات الطبيعية في كردستان، خلال أسبوعين من توقيع الاتفاق.
الإيرادات غير النفطية: تلتزم حكومة الإقليم بتحويل 120 مليار دينار شهرياً إلى وزارة المالية الاتحادية، على أن تتم تسوية المبلغ بعد تدقيق مشترك بين ديوان الرقابة المالية الاتحادي ونظيره في الإقليم. كما سيتم تشكيل فريق لتصنيف الإيرادات وتحديد حصة بغداد منها ابتداءً من مايو 2025، خلال فترة لا تتجاوز شهراً واحداً.
صرف الرواتب والتوطين
بموجب الاتفاق، تبدأ وزارة المالية بصرف رواتب شهر أيار/مايو الماضي خلال ساعة واحدة من المصادقة، عبر البنك المركزي – فرع أربيل، على أن يُستكمل تمويل الأشهر التالية تباعاً، شرط التزام الإقليم بتنفيذ بنود الاتفاق، خاصة ما يتعلق بتسليم النفط.
كما شدد الاتفاق على إلزام حكومة الإقليم بتوطين رواتب الموظفين خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، التزاماً بقرار المحكمة الاتحادية.
سؤال مفتوح
رغم الترحيب السياسي الواسع بالاتفاق، يظل السؤال قائماً: هل يمثل هذا الاتفاق فعلاً بداية لتسوية جذرية لمشاكل ظلت عالقة لعقود، أم أنه مجرد هدنة مؤقتة سرعان ما ستنهار أمام أول اختبار سياسي أو مالي؟
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز